Loading

الطريق إلى العلبة عمّال تركيب الإعلانات بين الموت والإصابة بدون رعاية ولا تأمين

ندى عمرو

أنجز هذه التحقيق بدعم من "شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) وبإشراف الزملاء حمد العثمان وعماد عمر

لا بد أنك شاهدت في شوارع مدينتك لافتات الإعلانات الضخمة، فهل فكرت في من يتولى تركيبها؟ وهل هناك قصة وراء ذلك تستحق أن تروى؟ في القاهرة وكبرى مدن مصر، يحل في الأيام العشرة الأولى من كل شهر موعد استبدال هذه اللافتات الإعلانية التي تتراوح ارتفاعاتها في العادة بين ١٠ -٢٠ مترا

الطريق إلى العلبة
تجمع عمال الإعلانات

إنه الموعد الذي يتسلق فيه عمّال تركيب الإعلانات أعمدة مرتفعة، مربوطين بحبال ليصلوا لوحة الإعلانات. إنه "الطريق إلى العلبة" كما يسميه العمال حيث يتسلقون في دقائق، ثم يختفون داخل "العلبة" ويستبدلون إعلانا بـآخر. بعضهم قد يتعرض للسقوط والإصابة وربما الموت وسط ضعف الرقابة والرعاية من وزارتي القوى العاملة والتضامن الاجتماعي

عش زوجية بسيط في حي بشتيل بمنطقة إمبابة جمع أيمن ومها بعد زواجهما في ٢٠١٠. استمرا بعدها في طلب العلاج لمدة سنتين لمحاولة الإنجاب حتى ولدت فرحتهما الأولى.. مروان. استحوذ مروان على قلب والده، لا يتحرك دونه ”وكل طلباته مجابة”. جلب المولود الأول الخير معه وجاء بعده أخوه محمود فامتلأت حياة الأسرة بالنزهات والمصايف والتخطيط لمستقبل الطفلين. لكن في لحظات غير محسوبة تغيرت حياة الطفلين، وحياة الأسرة كلها. تحول سند العائلة إلى شبح قعيد لتختفي ذكريات أمواج البحر وكل مظاهر البهجة من حياة العائلة

توجه أيمن بصحبة زوجته إلى مستشفى قصر العيني، وهناك اكتشف أنه كان يجب عليه إجراء جراحة تثبيت للفقرة القطنية بعد الحادثة مباشرة. وأدى التأخر إلى شلل نصفي وأوجاع أخرى

خاضت مها رحلة علاج مع زوجها من قصر العيني إلى مستشفى أوسيم بمنطقة إمبابة في محافظة الجيزة إلى مستشفيات جامعة القاهرة إلى معهد ناصر وعيادات خاصة أخرى حتى يومنا هذا. مع كل خطوة لدخول مستشفى جديد كانت تكتشف أن حالته تسوء أكثر، “الإصابة مبقتش في العمود الفقري بس، زي ما يكون كل حتة في جسمه اتأثرت بالحادثة، كل حتة فيه عمالة تبوظ

وسط "روشتات العلاج" التي تكدست في منزلهما كانت هناك روشتة لجراح المخ والأعصاب والعمود الفقري أحمد السعيد. تقول مها إنه أوضح لها مدى تدهور حالة أيمن الصحية

ويشرح د. أحمد أن هناك حالتين لهذه السقطة التي تعرض لها أيمن، الأولى لا ينتج عنها تحرك الفقرة القطنية من موضعها وهي الإصابة الأقل خطورة. أما الثانية فهي تَحَرك الفقرة القطنية ولابد في هذه الحالة من إجراء جراحة فورية للمريض لتثبيتها. وقال إن نقل المريض يجب أن يكون عن طريق سيارة إسعاف مجهزة وليس أي وسيلة أخرى مثلما حدث في حالة أيمن حين استخدمت سيارة نقل لأداء المهمة

لم يتقدم العامل البسيط بشكوى ضد المقاول، ولم يسمع عن نقابات يمكن أن تساعده

لكن كيف تصبح عامل تركيب إعلانات؟ لا أحد يتعاقد معك، ولا تعرف لصالح أي شركة تعمل. تعرف شخصا واحدا فقط هو "المقاول" -- حلقة الوصل بين شركة الدعاية والعمال. فالشركة تسند المهمة لما يعرف بـ "مقاول الأنفار"، وكل مقاول له عمال يعتمد عليهم، أو يجمع آخرين عند الحاجة، حسبما كشفه تحقيقنا

ما هي المؤهلات التي تحتاجها؟ لا شيء، حتى العمر غير مهم. ولا يحصل العامل على تدريب أو معدات سلامة أثناء العمل، ولا يجري أي كشف طبي للتأكد من تأهله للعمل على هذه الارتفاعات الشاهقة. كل ما يعرفه هو اسم المقاول واليومية المتفق عليها

هذا التحقيق وثّق حالات 21 عاملا من عمال الإعلانات أصيب منهم خمسة وتوفي ثلاثة جراء عملهم دون أن يحصلوا على حقوق أو علاج أو أي تعويض

يقول هيثم طه عرفان الأمين العام لشعبة الإعلام في اتحاد الصناعات المصرية إن ما بين 150 و200 شركة إعلانات خارجية (اوت دوور) مسجلة لدى الاتحاد. وأكد وجود شركات أخرى غير مسجلة مما يجعل ممارستها العمل غير قانونية. لكن الاتحاد لم يتلق شكاوى عن حوادث من نوعية ما تعرض له أيمن

ألية تركيب الإعلانات

١٠٠ ألف جنيه (أي حوالي ٥٥٠٠ دولار) للاعلان الذي تبلغ مساحته 20×10 أمتار مربعة، ويحصل المقاول على حوالي ١٨٠٠ جنيه (أي حوالي ١٠٠ دولار)، بينما يحصل العامل على حوالي ١٠٠ جنيه كحد أقصى عن عمله اليومي (حوالي 5.5 دولار). كما تحصل السلطات البلدية (الحي) على ما بين 100 - 500 جنيه (5.5-28 دولارا تقريبا) عن المتر الواحد حسب مكان الاعلان ومساحته، بحسب موقع محافظة القاهرة على الإنترنت. ويعمل في تركيب الإعلان الواحد حوالي ٥ عمال يحققون أكبر دخل في الثلث الأول من الشهر الموعد المعتاد لتغيير اللوحات

توزيع تكاليف الإعلانات الخارجية

هل يحمي القانون المصري عمال تركيب الإعلانات حين يتعرضون لأي إصابة؟

يؤكد محامي شؤون العمال بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مصطفى خيري، أن عمال اليومية لا حق لهم أمام النيابة العامة، لعدم وجود دليل يثبت عملهم. وفي ظل هذا الوضع يسود اللجوء للحل الودي وليس القضاء مهما كان هذا الحل مجحفا. وأشار إلى أنه لا يعلم بحالات لجأ فيها عمال يومية إلى القضاء

ويوضح خيري أن القانون الخاص بالعمال يضع الشركة تحت المساءلة القانونية في حالة مخالفة أحكام السلامة والصحة المهنية، وتصل عقوبة مخالفة هذه الأحكام إلى الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز ١٠ آلاف جنيه (أي ٥٥٠ دولارا) حسب المادة 256 من قانون العمل رقم 12لسنة 2003، لكن بعيدا عن الغرامات القانونية يكون على أهل المتوفى رفع دعوى قضائية إذا أرادوا الحصول على تعويض من خلال المحاكم

بيئة العمل فى القانون

يعاقب كل من يخالف أيا من أحكام الكتاب الخامس بشأن السلامة و الصحة المهنية وتأمين بيئة العمل و القرارات الصادرة تنفيذا له بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر و بغرامة لا تقل عن ألف جنيه و لا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين . وتكون عقوبتا الحبس و الغرامة المنصوص عليهما في الفترة السابقة وجوبيتين إذا ترتب علي الجريمة الوفاة أو الإصابة الجسيمة . وتضاعف الغرامة في حالة العود

ويكون صاحب العمل أو من يمثله مسئولا بالتضامن مع المحكوم في الوفاء بالعقوبات المالية إذا كانت الجريمة قد وقعت نتيجة إخلاله بأي من الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون

ويشير محامي شؤون العمال إلى أن شركات تلجأ لعمال اليومية للتنصل من دفع التأمينات، خاصة أن آليات التفتيش والرقابة معدومة في المواقع الفعلية للعمل (على الطرق السريعة والرئيسة). ولا يجري تفتيش إلا داخل الشركة على إبرام عقود أو تأمين العمال الذي يعملون داخل الشركة

خيري يرى أن نصوص القانون تبدو حافظة لحقوق العمال، لكن المشكلة تكمن في تنفيذها. ويضيف أن آلية التفتيش على شركات الدعاية والإعلان “غير منطقية”، إذ تتم المراقبة على ما يدور داخل الشركة من تأمين على العمال أو إبرام عقود معهم. لكن المواقع الفعلية للعمل مثل الطرق والتي يعمل بها عامل اليومية ويواجه عندها المخاطر لا يوجد عليها تفتيش

نجوى إبراهيم، وكيل أول وزارة القوى العاملة، تقول إن أي شركة سواء حكومية أو خاصة تتعامل مع عمال غير مؤمن عليهم سواء عمال يومية أو متعاقدين يجب عليها التقدم لأي مديرية بالقوي العاملة لتسجيل كافة بيانات العاملين لديها

وأكدت أن عامل اليومية لديه حق التقدم بشكوى لأي فرع من المديريات البالغ عددها 27 ، وتقوم المديرية باستدعاء صاحب الشركة لحل النزاع بين العامل والمسؤول، وفي حال عدم الوصول إلى حل يحق للعامل اللجوء للقضاء

لكن لم يلجأ أحد من عمال اليومية للشكوى للوزارة. وأوضحت أن الوزارة لديها مفتشون يتفقدون أحوال العاملين مرتين كل عام، في جميع المنشآت “حتى لو محل عصير أو يافطة”

وتداركت: “للأسف لا توجد إحصائية لعدد العمال غير المنتظمين، مما يعني أن عامل اليومية هو الباحث عن حقه،" وقالت إن لائحة عمال اليومية تحتاج فعلا لتعديل بحيث تتحمل الوزارة جزءا من تكاليف علاج أي عامل يصاب. "العامل دائما هو الطرف الأضعف، لأنه مضطر للعمل من أجل لقمة العيش، لذلك يتغاضى عن حقوقه". هكذا تحدث شعبان خليفة رئيس النقابة المستقلة للعمالة غير المنتظمة، عن عمال الإعلانات، مدللاً على ذلك بأنه في بعض الحالات حين يتوفى العامل يسعى المقاول لإثبات أن موته جاء بسبب حادثة عادية دون الاعتراف بوفاته أثناء العمل، ومن ثم تُهدر حقوقه

يجلس "أيمن" في مكانه المعتاد على الأريكة التي ملّ منها، ينظر حوله، كيف أثرت الحادثة على علاقته بأسرته، ابنه الأكبر الذي لم ينعم بتوصيله في يومه الدراسي الأول، وابنه الأصغر عجز الأب عن تلبية طلباته مرددًا إجابة واحدة “أما أخف يا حبيبي“، وتلك الشابة ذات الـ٢٩ عاما التي تحولت من زوجة لممرضة له فقط، كم يُشعره عجزه بنقص تجاهها لكنه “لا باليد حيلة”، الاصابة قتلت داخله كل شئ وحولته لـ“بني آدم ميت، خيال قاعد بس في البيت”.

وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى فبراير من العام الجارى ٢٠١٨، قرارًا للبنوك بطرح شهادات «أمان»، وهى شهادات استثمارية تحق للعامل غير المؤمن عليه من ١٥ إلى ٥٩ عامًا. والمستندات المطلوبة هى الرقم القومى فقط، دون أن يكون هناك كشف طبى

وصاحب الشهادة يتمتع بسعر فائدة ١٦٪، وبعد ٣ سنوات يحصل المواطن على قيمة الشهادة التى دفعها، وتبلغ قيمتها ٥٠٠ جنيه ويتاح للمواطن الواحد شراء بحد أقصى ٥ شهادات وفى حالة الإصابة يحصل على تعويض ٥٠ ألف جنيه للخمس شهادات، أما الوفاة ٥٠ ألف جنيه للشهادة الواحدة

شهادة أمان

وكسرت مبيعات شهادة «أمان المصريين» حاجز المليار جنيه، وفقًا لتصريحات صحفية لرؤساء بنوك الأهلى ومصر والقاهرة والزراعى المصرى، وذلك بعدما جذبت أكثر من مليون عميل، بحسب أحمد عبدالعزيز، رئيس مجلس الإدارة، والعضو المنتدب لشركة «مصر لتأمينات الحياة

وتحدثت معدة التحقيق إلى ٣ عمال حول شهادات «أمان»، أجمعوا على أنهم لم يشتر أى منهم هذه الشهادات حتى الآن، بعضهم يرى أن اعتزال المهنة أسهل وأسلم. ويقول أحدهم: «لم نعد نؤمن أن هناك أحدا يمكنه مساعدتنا بعد كل التعب والصعاب التى واجهناها، فلا نصدق أن هذه الشهادة سوف تحمينا وتحمى حقوقنا

Created By
Digital Dostor
Appreciate

Report Abuse

If you feel that this video content violates the Adobe Terms of Use, you may report this content by filling out this quick form.

To report a Copyright Violation, please follow Section 17 in the Terms of Use.