Loading

معلمين سوق العبور معلمين الذهب الأخضر.. رحلة كفاح صبيان زمان ليصبحوا معلمين النهارده

حسن الهتهوتي و أسماء إبراهيم

تصميم: أريج الجيار

في شرق القاهرة، وتحديدًا سوق العبور، حكايات وذكريات، وأحلام بدأت وتجددت في المكان.. عِشق التجارة قاد بعضهم لترك وظائفهم، وآخرون للتنازل عن راحتهم وأعيادهم، من أجل المسئولية التي حملوها.. فواكه وخضروات الملايين تأتي عبر هذا المكان.. هنا «الدستور» قضت يومًا في السوق، والتقت أباطرة تجار سوق العبور، للسماع لحكاياتهم، وكيف تدور الحياة في «ميناء الخضروات والفاكهة

إبراهيم حداد، 65 عامًا، تاجر فاكهة وخضروات، روى لـ«الدستور» أنه بدأ عاملاً في سوق روض الفرج بصحبة والده، في طفولته، واكتفى بالتعليم عند حصوله على دبلوم ثانوي تجاري، كافح كثيرًا حتى كان من بين من نقلتهم الحكومة في عام 1992 من روض الفرج نحو السوق الذي تم تدشينه في منطقة العبور، من أجل القضاء على العشوائيات بروض الفرج.. «سوق العبور هو الشريان الذي اتنفس به، ولقمة العيش والتجارة والعمل ومنزلي.. السمك إذا خرج من الماء يموت، وهكذا أنا إذا خرجت من السوق سأموت.. فأذهب يوميًا من السادسة صباحًا حتى العاشرة مساءً، أقضي وقتًا في السوق أكثر مما أقضي صحبة أسرتي» ـ يقولها الرجل

يتحدث الرجل بأسى حينما يتذكر الصورة السيئة التي حاولت السينما والدراما ترسيخها عن التُجار.. «يعتقدون أن التاجر كثير الزيجات، أو بلطجي، وهذا ليس حقيقيًا، أنا أكبر التجار بالسوق، تزوجت مرة واحدة، ورزقني الله بـ 4 أبناء.. ما جاء بفيلم «الفتوة» ليس صحيحًا، وليس حقيقيًا أيضًا أن زوجة التاجر تتواجد في السوق، فزوجتي لا تعمل، وأرفض ذلك، ولا تتواجد هنا إطلاقًا، فالسوق للرجال فقط

لم يتدخل الرجل في اختيار مستقبل أبناؤه، وترك لهم الاختيار، فحصل ابنه الأكبر على ليسانس الآداب، وفضّل أن يعمل معه في السوق، والابن الثاني خريج كلية الحقوق ويعمل محامي، والثالث تخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر ويعمل في السوق أيضًا، والابن الأصغر خريج حاسبات ومعلومات ويعمل في إحدى الشركات، ورفض العمل في السوق معه.. « اثنين منهما يعملان معي في السوق، فهما يعملان هنا، ليس حبًا في سوق العبور، ولكن بسبب عدم توافر فرص العمل المناسبة لهم

رغم أن حياته ارتبطت بسوق العبور، غير أنه يعترف أن القرار الأصعب في حياته كان استمراره في العمل به بعد حصوله على الدبلوم.. «كنت أتمنى أن أعمل في مجال أشعر فيه براحتي النفسية والجسمانية، لكن هنا في السوق ليس لدينا حياة ولا ترفيه لأن هذا العمل يتطلب التواجد في السوق لأوقات طويلة لمتابعة سير العمل.. لا أستطيع الخروج ولا السفر حتى في الأعياد والمناسبات» ـ يقولها عم إبراهيم، واصفًا كيف يُضحي التاجر بأوقاته السعيدة صحبة أسرته، من أجل الحفاظ على مصدر رزقه، وتجارته التي اختارها طريقًا له منذ طفولته

«مشاكلنا في سوق العبور تجد حلاً، فجهاز العبور برئاسة اللواء محمد شرف، يُقدم الخدمات لتجار السوق» يقولها الرجل مضيفًا: «نلجأ لرئيس الجهاز لحل مشاكلنا، ويقدم لنا كافة الخدمات، وسوق العبور أسرة واحدة، لا يوجد بينهم رئيس ومرؤوس، فكل شخص هُنا له دور يُقدمه على أكمل وجه

أذواق الناس اختلفت كثيرًا عن الماضي» يقولها الرجل، مؤكدًا أن ذلك يرجع لارتفاع الأسعار، وهو الأمر ذاته الذي تأثر به ربحهم، مضيفًا أنه قديمًا كان القليل من الربح يكفي، أما اليوم فالكثير من الربح لا يكفي، بسبب ارتفاع الأسعار، وزيادة تكاليف النقل والمواصلات والسماد والعمالة

من أجل عيون سوق العبور، ترك بكر الخطيب، رجل خمسيني، وظيفته الحكومية ليتفرغ لتجارة الخضروات بالسوق ، فرغم أن الرجل بدأ حياته مكافحًا في هذه المهنة، تزامنًا مع عمله موظفًا في أحد القطاعات الحكومية (كاتب) إلا أنه أخيرًا قرر أن يتفرغ لعمله بسوق العبور، كواحد من كبار تجار الخضروات.

حاول «الخطيب» كثيرًا أن يوفق بين وظيفته وعمله بسوق العبور، غير أنه لم يتمكن من ذلك، لكنه كشف عن ندمه لترك وظيفته الحكومية، مرجعًا السبب وراء ذلك، أن السواق لم يعد مستقرًا في الوقت الحالي.. «أي سلعة في السوق يتحكم فيها العرض والطلب، إذا زاد الطلب عن المعروض، يزداد السعر، وإن حدث العكس، انخفضت الأسعار» يقولها الخطيب، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك ارتفاع في تكلفة الإنتاج، ولا يوجد أي فلاح يجني أرباحًا، بل أنهم يتعرضون للخسائر.

غياب الرقابة، هو الأزمة الحقيقة كما يصفها الخطيب، منوهًا إلى أن تجار التجزئة خارج سوق العبور، يبيعون السلع بأسعار مرتفعة، وأجبروا المستهلك على التعود على ذلك، معتبرًا أنه لا بديل عن وجود رقابة بشكل جيد حتى يشعر المواطن بانخفاض الأسعار.

«الخطيب» يعتبر أن سوق العبور بالنسبة له عمر وقصة كفاح، وبيت أسسه منذ الحجر الأول، لكنه نادم على التفرغ له هاجرًا وظيفته الحكومية ، لأن «الأمور تغيرت وباتت غير مستقرة» وسط زيادة في عمليات النصب التي يتعرض لها التُجار من فلاحين، لافتًا إلى أنه خسر نحو 300 ألف جنيه من الأموال التي أقرضها لفلاحين لزراعة أراضيهم، مقابل أن يحصل على الإنتاج الخاص بهم، لكنهم أخذوا الأموال التي حصلوا عليها، بينما باعوا إنتاج أراضيهم لتجار غيره، ولم يردوا له أمواله، موضحًا في الوقت ذاته أنه أقام دعاوى قضائية بهذه المبالغ، وحصل على أحكام قضائية، لكن لم يتم تنفيذها حتى الآن.

«قروض التجار للفلاحين، تختلف حسب قدرة الفلاح ومساحة الأرض» ـ حسبما يوضح الخطيب، حيث يؤكد الرجل أنه بالنسبة لتجار الخضروات، فيعطون الفلاح الواحد مبلغ يتراوح من 10 آلاف جنيه، ويصل حتى 400 ألف جنيه، حسب مساحة الأرض، لكن هذا السعر يختلف عند تجار الفاكهة، ويزيد عن ذلك بكثير

«خالد علي» الرجل الأربعيني، وشقيقاه، أكبر تُجار الموز بسوق العبور، ويمتلكون أراضي زراعية منزرعة بالموز، قرروا أن يكملوا الطريق الذي بدأه والدهم، وألا ينتهي المسيرة بعد وفاته، فالأب كان لديه خبرة كبيرة في هذا المجال، وبدأ عمله في سوق روض الفرج قبل انتقاله إلى العبور عام 1992، لكن الحال الآن اختلف عما كان في فترة عمل الأب ـ كما يروي خالد ـ حيث ضعُفت حركة البيع والشراء، وباتت هُناك خسائر ما بين الحين والآخر، ولكن تتدخل الخبرة هُنا، حيث أنه من الجدير بنا أن نكون قادرين على توقع الخسارة عام، وتعويضها بمكاسب في عام آخر.. هذا حال التجارة، ونعرف ذلك جيدًا ونتقبله

يرى التاجر أن أذواق الناس اختلفت عن الماضي، موضحًا أن مقياسه في ذلك هو الموز الصعيدي صغير الحجم، ذوق المذاق الرائع، والذي لم يكن يحتل الصدارة كما كان، بعد أن بات المستهلك يُقبل على الموز الصحراوي لأنه كبير الحجم، لكنه ليس بنفس طعم ومذاق الموز الصعيدي ، يشكو التاجر من ضعف حركة البيع في تجارة الموز، معتبرًا في الوقت ذاته أن الجهاز التنفيذي لسوق العبور لا يقدم لهم المساعدة ـ حسب قوله

العم محمد حميدو، كبير تجار الخضار في سوق العبور البالغ من العمر 61 عامًا، لم يكمل تعليمه واتجه في زراعة الأراضي بصحبة والده، ثم انتقل إلى سوق العصر، في مقتبل العمر

17 عامًا، كان عمره في ذلك الوقت، حينما اتخذ قراره بالعمل في سوق العصر، ومنه اتجه إلى سوق روض الفرج.. مُعلم اليوم، كان عاملاً بالأمس.. سنوات طويلة من العناء، انتقل بعدها إلى سوق العبور، منذ 26 عامًا، ليواصل كفاحه هُناك، حتى تمكن من أن يُصبح أحد الكوادر المؤثرة في أهم الأسواق المتحكمة بفواكه وخضروات سكان القاهرة الكبرى

سوق العبور هو البيت والأسرة ومصدر الرزق» يقولها العم حميدو، واصفًا ارتباطه الكبير بالسوق الذي قضى به 26 عامًا من عمره، وكان له النصيب الأكبر من ساعات يومه،

تختلف الملامح هُنا.. تختلف الهويات والمحافظات واللهجات، غير أنهم جميعًا يتشابهون في رحلات كفاح شهدت عليها سنوات طويلة.. جهد وجِد وشقاء، ومنا جد هُنا وجد نفسه واحدًا من كِبار السوق.. في العبور، التقينا حكاية أخرى من حكايات النجاح

فارس الهلاوي، في عامه السادس والثلاثين، لم يكن التعليم من رغباته، فلم يلتحق بأي مدرسة، وما إن بلغ من العمر 14 عامًا، حتى قرر الرحيل عن بلدته المنشأة بمركز طهطا، التابع لمحافظة سوهاج.. هُناك في صعيد مصر كانت بداية حلم تحقيق الذات.. طار الطفل نحو القاهرة ليبدأ كفاحه.. ففي مزارع الفاكهة وسوق العبور، بدأ عاملاً صغيرًا.. «اشتغلت صنايعي صغير، وشوية شوية دخلت المزارع، وكسبت الخبرة، لحد ما كبرت وبقيت تاجر».. يلخص التاجر الشاب رحلة الكفاح.

في تجارة الفاكهة، يعمل «الهلاوي» بين كبار سوق العبور، فقبل 26 عامًا، كان أكثر مُنافسيه تُجارًا كبار في سوق روض الفرج، وكان وقتها طفلاً، وبعد كفاحه، بات قائدًا كغيره في تجارته بين عمالقة الفاكهة في السوق المتحكم في البضائع بالقاهرة الكبرى.

الحياة في السوق أصبحت إجبارية، فكما يقول ابن سوهاج، فإن وقته كله يقضيه هُنا في العبور، في المكان الذي يمثل له حياته ومصدر رزقه ـ حسبما يروي لـ «الدستور»، وعلى عكس غيره من التُجار، لا يتذكر «الهلاوي» أي قرارات اتخذها خلال فترة عمله منذ 22 عامًا، وندم عليها

NextPrevious

Report Abuse

If you feel that the content of this page violates the Adobe Terms of Use, you may report this content by filling out this quick form.

To report a copyright violation, please follow the DMCA section in the Terms of Use.