إسلام الشرنوبي وأميرة خالد وأريج الجيار وحسن الهتهوتي
"عالم آخر" لا يعرف عنه شىء سوى من عاش بداخله لسنوات، تكتلات وجماعات وظواهر شبابية، كلاً منهم له طريقته الخاصة فى الزى والكلام والظهور، ربما لم يتسببوا بأزمات لأحد ولكن مع الأيام تحولوا وكأنهم "كتبت تلك الأماكن بأسمائهم" داخل الحرم الجامعي، يعرفهم الجميع من طلتهم مع بداية كل عام جامعي، ربما لم تكن تلك التنظيمات والجماعات كما سبق ن حيث القوة والتنظيم والتمركز بسبب منع السياسة داخل الجامعة إلا أن بعضهم تلاشى وظلت بعض اذنابه، أو تغيرت لتوجه آخر
"أحزاب سياسية.. جماعات دينية.. تجمعات عرقية.. موديلز.. تيارات شاذة" تلك هي الخريطة السرية داخل الحرم الجامعي والذى تعرفت عليها "الدستور" في الملف التالي، بعدما تتبعت تجمعاتهم وأماكنهم وتواصلت مع بعضهم لمعرفة كل شىء عنهم بداية من أعدادهم وتوجهاتهم وأنشتطهم وعلاقتهم بالجامعة وبالدراسة.. "هنا مجتمع الجامعة" تعرفنا عليه عبر جولة في جامعتي القاهرة والأزهر
الأسر الطلابية لم تعد المظهر الوحيد للنشاط الطلابي في الجامعات، بل أصبح هناك أشكال عديدة مثل نماذج المحاكاة أو ما يعرف في الجامعات بالـ models f وهي عبارة عن محاكاه "تقليد" لهيئه أو مؤسسة أو فكرة مجتمعية دولية أو محلية يتم فيها محاكاة الواقع الفعلي وتكون قائمة على محاضرات تفاعلية بين الطلاب كتجسيد انتخابات الرئاسة الأمريكية، وجلسات الأمم المتحدة، مجلس النواب، ومنظمة المؤتمر الإسلامي
انتشرت فكرة نماذج المحاكاة في الجامعات المصرية بعد أن كانت تستخدم كفكرة تعليمية مبتكرة في بداية العصر الحديث في وكالة الاستخبارات الأمريكية
في مطلع التسعينيات، بدأت الجامعة الأمريكية في القاهرة، بتطبيق أول نموذج محاكاة بمصر، وكان يدور حول جامعة الدول العربية ومن قبلها الأمم المتحدة، وفتح الباب أمام نخبة من الطلاب للمشاركة بما في ذلك طلاب بعض الجامعات الحكومية المصرية، ثم انتقلت الفكرة إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وكان بمثابة نشاط طلابي مقتصر على نخبة كلها من دارسي العلوم السياسية، حتى أصبح متاح للجميع فتتبنى الكلية الآن ما يقرب من 22 نموذج محاكاة، والتي تؤهل الشباب لسوق العمل وتكسبهم مهارات مختلفة لحياتهم العامة والمهنية
محمد أحمد، طالب سابق بأحد النماذج التابع لجامعة القاهرة، يروي أن هناك محاولات من بعض الأفراد داخل نماذج المحاكاة، لاستغلال مناصبهم لعمل مصالح شخصية ومادية، قائلاً "بعض الناس واخده الموضوع سبوبة وبتعرف تطلع منه مصلحة"
النماذج تسعى دائمًا للحصول على الرعاة، والرعاة أنواع، فمنهم من يدفع المال دعمًا للنموذج وهربًا من الضرائب، ومنهم من يدعمهم بخامات أو أطعمة مقابل الترويج للراعي ـ حسب محمد أحمد ـ وحتى يقتنع الرعاة بمصدقية النموذج تقوم الكليات بعمل حساب بنكي تتعامل من خلاله مع الرعاة، وتأخذ الكلية ضرائب تترواح بين 15 إلى 25 بالمئة من إجمالي الأموال المدفوعة، وعندما يحتاج النموذج لمصاريف يتم تقديم طلب للكلية بالمبلغ وتقوم الكلية بالنظر في الطلب، مشيرًا إلى أنه من أبسط الأشياء التي من الممكن أن يتم التلاعب في الفواتير الخاصة بها، هي «التشيرتات، ولا يتخطى سعرها الحقيقي 30 جنيهًا، بينما تُسجل كونها بنحو 50 جنيهًا
الرحلات أيضًا تتغير أسعارها، فقد لا تتعدى تكلفتها 100 جنيه، ويُقدمها النموذج على أنها تتكلف 200 جنيه أو أكثر، إضافة إلى أرقام أخرى يتم التلاعب فيها أثناء الرحلة ـ حسب الشاب
محمد، أوضح أن بعض الطلاب يقوموا بالأتفاق مع رعاة بدون علم الكليات، وذلك بسبب فرض ضرائب على الرعاة تختلف من كلية لأخرى، فكلية السياسة والاقتصاد تفرض ضرائب تصل إلى 15% بينما تجارة تصل إلى 25%
طلاب الإخوان والسلفيين لم يعد لهم مكان وقوة كما كان في السنوات الماضية، وتم إجبارهم للتعايش مع الواقع الحالي، إلا أنهم مع أول أسبوع دراسي ظهرت تكتلاتهم بشكل غير ظاهر فى كليتى دار العلوم والهندسة، حيث تجتمع المنتقبات في مكان يسمونه "المقابر" وهو بدروم الدور الأرضي المجاور لرعاية الشباب، قليلون من يشيرون إلى أي أمور سياسية تخص الجامعة أو الجماعة، خوفًا من وجود أي عناصر تنقل حديثهم، في الوقت الذي يجاورهم عدد من طلاب فرقة "بسمة أمل" –المعروفة في الكلية بأنها تابعة للتيار السلفي- التي تستحوذ على "المقابر" وقامت خلال العام الماضي والحالي بتنظيف المكان وإدارته بشكل مميز، يقول عدد من الطلاب عن الفرقة وتجمعهم، "ليس لهم توجه معين، هم شباب يحبون العمل التطوعي ومساعدة الطلاب"، وكان من بين وجهات النظر التي ظهرت من قِبل طالب ثان "يوجد من بين أعضاء الفرقة سلفيين، يؤمنون بالفكر السلفي بشكل تام"
ينتشر الإخوان بكلية الهندسة تيمناً بطالب كان يسمونه شهيد كلية الهندسة، محمد رضى، الذي توفى خلال مظاهرات الإخوان قبل أربع سنوات، مُصدرين دعاية أن حقه لم يُسترد حتى الآن، فيقول أحد الطلاب الذي يظهر عليه علامات التدين، كنت زميلاً له في السنة الأولى، لم أرَ منه إلا كل خير، منوهًا أن الخروج بمظاهرات قلّ نظرًا لإحكام الأمن سيطرته على الجامعة "اللي بيطلع أو بيتكلم في السياسة مبيكنش وسطنا تاني يوم"، مشيراً إلى أن الإخوان ألد أعداء لبعضهم، لا سيما بعد 30 يونيو، ولا يلتقون في الجامعة سوياً أبدًا، ويتغمزون المواقف لبعضهم
أما في المدينة الجامعية وبالتحديد الدور الرابع في مبنى امتياز التابع للمدينة الجامعية، حيث أقام فيه بعض قيادات الدعوة السلفية، وتعرفوا على بعضهم سويًّا هناك، ولا زال حتى الآن موجود بهذا الدور مصلى للشباب السلفي، ممن يتبعون ياسر برهامي وإسماعيل المقدم، يتدارسون أمورهم بعد الصلاة، لاسيما أنهم على خلاف مع شباب الإخوان الموجودين بالجامعة فهم يعرفون طلاب الدعوة السلفية لكنهم لا يقتربوا منهم ولا يتعاونوا معهم
بالقرب من المكتبة المركزية بساحة "الشارع الواسع" كما هو معروف لدى طلاب جامعة القاهرة، يتجمع الطلاب المسيحيين في مجتمع خاص بهم داخل الجامعة، والذي يحرص طلاب الكليات المختلفة على التنافس بينهم وبين بعض من أجل تكوين أفضل فريق، والذي اختصت به "كلية التجارة" بحسب ما أكدته سارة يعقوب مسؤولة عن المجموعة المسيحية بكلية إعلام، مؤكدة أنّ كلية التجارة من أفضل الكليات النشطة في المجموعة المسيحية من حيث العدد والتفاعل والأنشطة
وفي مكان تواجههم تحدثنا مع عدد منهم، فـ يوستينا عماد الطالبة في السنة الرابعة بكلية التجارة، تشير إلى أنّ الـ CH بمثابة أسرة داخل الجامعة، لا يفرق بينها وبين أي أسرة آخرى سوى أنها تختص بالمسيحيين فقط، وليس لها إعلان علني داخل الجامعات.
وعن هدف تجمعاتهم، تابعت يوستينا أن هدف التجمعات المسيحية، هو "المساندة" لبعضنا البعض، فمن يحتاج إلى شرح شيء أو حلّ بعض المشاكل التي قد تصيب البعض ومساعدة الطلاب الجدد بالكليات المختلفة، مضيفة أنهم يقومون بمسنادة بعضهم على الطاعة فـ "يرتلون الترانيم أحيانًا ويقرأون من الكتاب المقدس والتشجيع على المشاركة في بعض الأعمال التطوعية التي تقوم بها الكنيسة"، وأن كل عضو في التجمّع له كنيسته التي يذهب إليها ولكن تجمعهم لكي يكون هناك كيان واحد داخل الجامعة، مشيرة إلى أنّه لا يوجد عدد محدد للمشتركين، وأنّ كل كلية لها أعضاء فريق ورئيس للأسرة خاص بهم
مصادر أمنية مطلعة، قالت لـ"الدستور" إن معلومات جهاز الأمن الوطني، ورجال المباحث الجنائية بالقاهرة، أكدوا أن الأحداث التي شهدتها جامعة الأزهر في السنوات الماضية، توضح أن الفكر المتشدد يجلبه طلاب بالجامعة، قادمين من الأقاليم، وهم في الأصل يكونون تابعين للجماعات المتشددة دينيًا، وهم من يصنعون التكتلات داخل الجامعة، وينشرون أفكارهم بين الطلاب، وسبق أن ارتكبوا عديد من الجرائم والتظاهرات التي شهدتها الجامعة والمناطق المُحيطة لها
أين يُقيمون بالقاهرة؟، المصادر ذاتها أكدت لـ"الدستور" أن الطلبة المتشددين يختارون مناطق تجمعات محددة للإقامة بها، توصلت لها الأجهزة الأمنية، وكان أشهرها عزبة الهجانة، العاشر من رمضان، والحي السادس بمدينة نصر، وكلها كانت مرصودة من أجهزة الأمن
أخطر الطلاب المتشددين ـ وفقما تُصنفهم أجهزة الأمن ـ هم طلاب كلية العلوم بالجامعة، حيث أنهم يستخدمون ما يدرسونه من مواد عيلمية في الكيميائيات، في صناعة القنابل، وسبق أن استخدموها في تظاهرات لهم، وبعضهم لهم أقارب قُتلوا أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، وكانت لديهم ميول عدائية نحو الدولة.
وبدأ تسلل الفكر المتطرف لجامعة الأزهر ـ وفق مصادرنا ـ قبل سنوات، حينما عمِل بالجامعة، اساتذة ينتمون للإخوان والسلفية الجهادية، وهو ما ساعد طلاب الأقاليم ممن ينتمون لنفس التيارات، إلى ترويج أفكارهم بحرية، وفي فترة كانت قيادات بالجامعة يتبعون جماعة الإخوان، لكنهم يُحاولون الآن الظهور وكأنهم مؤيدين للدولة.