Loading

ترامادول الصعايدة كيف أصبح الترامادول أكثر انتشارا من السلاح في الصعيد؟

شعبان بلال

استقيظ فجرا بطريقة اعتادت زوجته عليها، ألم شديد في المعدة يصاحبه رعشة وهرش في الجسد، وقف فاقد التركيز يبحث عن جرعته اليومية التي ترتفع يوم بعد الآخر، استمر في البحث حتى انهار، استيقظ أطفاله الصغار على وقع صوته المتألم، وساعدته زوجته في البحث، ولكنهم فشلوا في إيجاد ما يبحثون عنه.

هذه غير كل مرة، فعلى الرغم من أن محمد العشريني من أحد محافظات الصعيد، والذي تزوج في سن الـ 18 عام، وأنجب 3 أطفال لم يتخط أكبرهم الـ 6 سنوات من عمره، فشل أكثر من مرة في السابق في الحصول على جرعته التي أدمنها من حبوب الترامادول لأسباب عديدة، إلا أنه كان يضغط على نفسه حتى يمر سواد الليل ويذهب مبكرا للتصرف في تلك الجرعة، لكن الوضع أصبح أسوأ.

زوجته وأطفاله يعيشون أيام سوداء، فكل ما يجنيه من أموال من عمله الغير منتظم لا يكيفهم، فهو يعمل سائق في بعض الاحيان، وأوقات أخرى يعمل باليومية، ومعظم الأيام يقضيها في المنزل أو مع أصدقاء السوء، فهو في غيبوبة باعتراف منه.

حبوب التامول هي سبب ما أنا فيه، أعترف بأنني في أزمة كبيرة لم أكن أتخيل أنني سأصل لهذا الوضع، فأنا أصبحت عبدا لهذه الحبوب، لم أكن أعرف هويتها وتأثيرها، لكنني مع الوقت اكتشفت أنها تؤدي بصاحبها إلى التهلكة، حياة عصيبة أقضيها في منزلي، تعدي على الزوجة بالضرب، وكراهية من أطفالي الصغار يحملونها لي، وكل ذلك بسبب هذه المرض الذي سار في بلادنا وملئ دماء الشباب، محمد الشاب الصعيدي يؤكد.

استمر محمد في الحديث ويمتلكه الحزن والندم: لكن فات الأوان، حاولت أكثر من مرة أن أحجم عن تناول هذه الحبوب ولكني فشلت، يبدو أنني وصلت لمرحلة الإدمان، فبعد أن كنت أتناول نصف حباية، أصبحت أتناول 3 أقراص في اليوم الواحد بـ 75 جنيه، وكل ما أعمل به في اليوم يذهب إلى صاحب السوبر ماركت أو الصيدلية المعروفان ببيع هذه العقار للشباب.

محمد الذي يعاني من الإدمان الشديد لأقراص التامول، في حيرة شديدة، ما بين شراء تلك الأقراص التي تستمر في الغلاء، وما بين الإنفاق على عائلته، على الرغم من أنه قرر أكثر من مرة أن يحجم عن تناول تلك الأقراص، لكن كل المحاولات فشلت؛ لعدم قدرته على تحمل تأثير ذلك، من آلام شديدة في المعدة وموجة من العصبية والهزلان وعدم القدرة على تناول أي طعام.

محمد ليس وحده الذي أدمن الترامادول

يقول محمد إنه يريد أن يتعالج من هذا المرض المزمن، خاصة وانه لا يعرف أضراره، وكل ما يعرفه كان أنه عبارة عن أقراص للتنشيط والقدرة على السهر والعمل وزيادة النشاط الجنسي، لكنه اكتشف فيما بعد أنه تلك الأقراص أخطر من جميع أنواع "الكيف".

مئات وآلاف الحالات وصلت لمرحلة أخطر من محمد، أطفال دون سن العاشرة، ومراهقين وشباب، وأيضا كبار سن، بل وصل الأمر لتناول سيدات يعملن في الفلاحة في بعض قرى الصعيد التي تسمح لنسائها بالخروج للعمل في الأراضي الزراعية، خاصة وأن معظم قرى ونجوع الصعيد تمنع خروج النساء للعمل من الأساس.

رمضان الصعيدي –اسم مستعار-، في الخمسين من عمره، من قرية بمركز طما التابع لمحافظة سوهاج، أحد ضحايا هذه الأقراص اللعينة، بعد تناولها لمدة تصل إلى عشر سنوات، بدأت بربع قرص حتى وصلت إلى 3 أقراص يوميا يأخذها بصورة متقطعة في اليوم الواحد.

يقول إنه قرر بعد حديث العديد من أصدقائه عن هذه الأقراص أن يتناولها، حيث انها تضيف نشاط وحيوية في العمل، لكنه لم يكن يعرف أضرارها، مؤكدا أن محاولة الإحجام عن تناولها يتسبب له في أزمات عدة، على رأسها التقيأ وألم شديد في المعدة، ومشاكل عائلية كبيرة، بخلاف الشعور بأنه أصبح عبد لهذه الأقراص.

أضاف: عقدت العزم على التخلص منها، وانتقلت إلى أحد المدن الكبيرة، حيث أحد مراكز التأهيل النفسي والصحي، دون إخبار أي أحد من العائلة أو الأصدقاء، عن هدفي من هذه "السفرية"، وأنها مجرد عمل سيتم إنهائه والعودة خلال أيام، وأخذت قدر كافي من المال، وكان في جيبي آخر "قرص" ترامدول، طرقت باب المركز، وقلت لهم أريد أن أخرج معافى من هذا المرض.

خمسة أيام معاناة وفقدان للوعي

عانيت لمدة 5 أيام متواصلة، أشد المعاناة، لم أكن في وعيي الكامل، هلاوس مستمرة وتقيأ وآلام شديدة تكاد تفتك بمعدتي، استمر الوضع بشدة في أول 3 أيام وهي فترة السحب، ثم بدأ الألم في التناقص حتى اليوم السادس، الذي التقطت فيه نفسي، وعرفت ما اليوم الذي أعيش فيه، وفي اليوم السابع أجرى المركز الصحي التحاليل ليتأكد من خروج هذا السم من جسدي، كنت في قمة السعادة، لكن الحزن يعتصرني على تلك الأيام التي كنت فيها زليلا لهذه الأقراص، وما زلت أشعر بالحزن الأكبر على الأطفال والشباب الذين يتنالونه في الصعيد بدون وعي.

انتقلت "الصباح" لقرية أخرى حيث مركز قوص بمحافظة قنا، لم يكن الوضع مختلفا بل كان أكثر تأزما، فهذا محمد جميل الطفل صاحب الـ15 عام، تناول عقار التامول للقدرة على العمل، فهو عامل أنفار، يعمل في الأراضي الزراعية وعلى عربية "كارو"، بصورة تفوق طاقته، بعد أن ترك التعليم لأسباب عادية.

يقول محمد الخولي، أحد أهالي مركز قوص، إن أقراص الترامادول انتشرت بشدة بالغة، في محافظات الصعيد، وتباع في الصيدليات والسوبر ماركت، ولا توجد رقابة على عمليات بيعها وتداولها، وجميع الشباب يتناولونها بدون معرفة أخطارها، وغيره العشرات من الحرفيين والعاملين في مهن شاقة.

لم يكن أمر الحصول على شريط من الترامادول والتامول بالامر الصعب، فعلى ناصية قرية بمركز المنشأة في سوهاج يجلس ثلاثيني في سوبر ماركت معروف ببيع هذه الأقراص للأهالي، وسعر "الحباية" 25 جنيه.

"الصباح" تخوض رحلة شراء شريط ترامادول

بدأت رحلة الحصول على شريط من هذه الأقراص باصطحاب أحد ضحايا إدمان التامول، والذي يتعامل منذ سنوات مع هذا التاجر، حيث بدأت رحلته منذ أكثر من 6 سنوات عندما كان في الـ 45 من عمره، وانتقاله من تناول الحشيش إلى هذا النوع الجديد من "الكيف" حسب قوله.

يقول محمد الحسيني –اسم مستعار-، أنه بدأ بربع قرص، ووصل الآن إلى نصف شريط في اليوم، وأنه غير قادر على شراء هذه الأقراص، لدرجة أنه باع أثاث المنزل، وفُضح في قريته التي لها عاداتها وتقاليدها، وهي من أكبر عائلات المنطقة التي يعيش فيها.

اصطحب "الحسيني" محرر "الصباح" في جولة شراء، التاجر قال إن هذا الشريط من النوع الجيد وليس المضروب، وأن سعره 250 جنيه، ولا يمكن التنازل عن ذلك، وبسؤاله عن المصدر قال إن هناك موردين كبار يوزعون على التجار في قرى معينة وليست جميع القرى، وأن هناك بعض الصيادلة يبيعونه في الصيدليات في "السر".

العقيد مروان العيسوى رئيس الإدارة العامة لمكافحة المخدرات لمنطقة جنوب الصعيد، كشف عن ضبد ما يقرب من مليون و114 ألف و394 قرص مخدر، منها مليون 325 ألف قرص من الكبتاجون عام 2017 فقط.

وأضاف أن المواد المخدرة تأتى عادة من الحدود الغربية والبحر الأحمر ويتم تسليمها للتجار عن طريق المراكب وعن طريق مدقات جبلية، إلا أن الضربات التي قامت بها الإدارة مؤخرا بالتنسيق مع حرس الحدود والقوات البحرية كان لها دور كبير فى التضييق على عصابات تهريب المواد المخدرة.

Report Abuse

If you feel that this video content violates the Adobe Terms of Use, you may report this content by filling out this quick form.

To report a Copyright Violation, please follow Section 17 in the Terms of Use.