وبعدما تم انتخاب البرلمان على ثلاث مراحل فى ٢٠١١-٢٠١٢، قامت المحكمة الدستورية بحلِّ البرلمان فى يونيو ٢٠١٢؛ نتيجة لعدم دستورية قانونه الانتخابي؛ ما وضع الإخوان فى مأزق شعبي، بعد أن فقدوا المؤسسة التشريعية التى كانت تشكل الركن الرئيسى فى مشروع الإخوان الهادف إلى ترسيخ سيطرتهم على مؤسسات الدولة؛ حيث كان تنظيم الإخوان يطمح إلى تفصيل القوانين وإقصاء كل معارضيهم من كل مؤسسات الدولة.
ورغم أن السلطة التشريعية قد انتقلت حينذاك إلى رئيس الدولة التابع لتنظيم الإخوان، والذى حاول إعادة البرلمان مجددًا فى انتهاك واضح لحكم المحكمة الدستورية، وقد كان ذلك من خلال إعلان دستورى فى نوفمبر ٢٠١٢، إلا أن التظاهرات الشعبية الكبرى التى أعقبت الإعلان الدستورى قد أجبرته على التراجع، فضلًا عن قرار المحكمة الدستورية العليا الذى أبطل حق الرئيس بدعوة المجلس فى الانعقاد.
لم يستمر حكم الإخوان إلا عاما واحدا، قبل أن تأتى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ لتقتلع النظام من جذوره، بعد أن برهن التنظيم تقديمه للهوية الدينية الحزبية على الهوية القومية الوطنية.
الباب الخلفي
منذ عودة جماعة الإخوان للحياة السياسية فى بداية عقد السبعينيات، لجأت إلى تصدير مفهوم «الثورة من الأبواب الخلفية»، ففى الوقت الذى كانت تدعى فيه الوسيطة ومحاربة التطرف والتقرب من النظام الحاكم، كانت تعمل على إنشاء التنظيمات المتطرفة وتدعمها فى ما يسمى ثورتها الإسلامية، ولعل حادث «الفنية العسكرية» فى إبريل ١٩٧٤، شاهدًا على ذلك، فكل الشواهد تؤكد وجود علاقة بين جماعة الإخوان وزعيم التنظيم الفلسطينى الأصل «صالح سرية» الذى قاد محاولة انقلابية ضد الرئيس السادات، باقتحام الكلية الفنية العسكرية، ومحاولة السيطرة على الأسلحة التى كان من الممكن استخدامها فى الانقلاب على السادات، كما دعم الإخوان الثورة الإيرانية ونظام الخمينى الذى عمل فيما بعد على تصدير مفاهيم الثورة الإسلامية إلى العديد من الدول العربية ومنها مصر.
حاول الإخوان طرح مصطلحات تحمل اتجاهات الجماعة، إذ كانوا يسوّقون لـ«العنف الثوري» أو «المقاومة المسلحة»، وهى التى تربط بين العنف والثورة؛ لإرضاء التيار القطبى والتيار الشبابى (الثوري)، خاصة بعد سقوط حكم الجماعة فى ٢٠١٣.
الباحث الأمريكى «إريك تراجر»، زميل معهد «واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، تناول فى مقال بمجلة «فورين آفيرز» الأمريكية، فى أغسطس ٢٠١٧، الصلة بين الانقسام المتزايد داخل الإخوان، وحدوث هجمات إرهابية داخل مصر، مشددًا على أن الخطأ القاتل للجماعة هو اعتقادها بأنها تستطيع أن تحرك قواعد تفوق ما خرج خلال ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
وتتبع «تراجر» تصدع الجماعة داخليًّا وانقسامها بين ما يُعرف بـ«الجناح الثوري» و«الحرس القديم»، وما آلت إليه «الإخوان» بسبب تلك الصدمات واختيار العنف، قائلًا: «فى الأشهر التى تلت فض رابعة، بدأ شباب الإخوان داخل مصر حمل السلاح، وأنشأوا وحدات حماية للدفاع عن مظاهرات الجماعة المستمرة والضعيفة بشكل متزايد من قوات الأمن، غير أن تلك الوحدات بدأت الهجوم، وظهر عدد من الجماعات المسلحة، هذه الجماعات استهدفت مراكز الشرطة والأفراد العسكريين وأبراج الكهرباء والطرق والبنى التحتية الأخرى».
وبحسب «تراجر»، كُلف محمد كمال، زعيم الإخوان الذين يدعمون أعمال العنف بـ«لجنة الشريعة الإسلامية للإخوان» بصياغة دفاع عن «نشاطها الثوري» قائم على الشريعة، وفى نهاية المطاف، تحولت الجماعة للعنف، بعدما أقرت اللجنة ما سمته «فقه المقاومة الشعبية للانقلاب»، والذى أباح مجموعة واسعة من أعمال العنف، بما فى ذلك قتل ضباط الشرطة والجنود.
لجأ الإخوان إلى إحياء العنف بعد ثورة ٣٠ يونيو عبر التحالف مع الجماعات الجهادية المسلحة، التى أدَّت لرفض الحلول السلمية، لاسيما أن الجماعة عملت على شحن عناصرها ومؤيديها، فمارس الشباب عمليات عنف بدائية ليست احترافية إذا ما قورنت بالعمليات النوعية لتنظيم داعش.
على منهاج النظام الخاص، سارت الخلايا الإرهابية المنبثقة عن جماعة الإخوان، التى أزيحت عن السلطة عبر ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣: منها ما يُسمى «العقاب الثوري، حسم، لواء الثورة و...»؛ إذ سجّلت تحقيقات الأمن الوطني، مقتل أشخاص عدّة منتمين إلى الحركات التى ينفى الإخوان صلتهم بها، رغم دفاع الجماعة عن هؤلاء العناصر.
كان الوصول للحكم هو الدافع وراء تحول الإخوان للعنف منذ عهد حسن البنا، وهذا ما أكده الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، إذ قال إن حسن البنّا، حوّل قضية الإمامة والإدارة إلى أصل من أصول الدين لا من فروعه؛ الأمر الذى تسبب فى استباحة لدماء وفتح الأبواب أمام العنف، بزعم الدفاع عن الدين.