Loading

ما وراء الأبواب من هنا يُصدر تاريخ مصر المنهوب إلى أمريكا وأوروبا (تحقيق)

يجلس متأكا ساندا ظهره على باب منزله القديم المطرز بأشكال يدوية، الذي يقع في إحدى قرى محافظة سوهاج، حيث ذلك المنزل القديم المتهالك الذي يلح أبناءه عليه بتجديده والبناء على الطراز الحديث، يتذكر جده الذي مر على وفاته عشرات السنين وربما مئات، ينظر ويدقق النظر، ويتذكر والده أيضا الذي طالبه في وصيته، بالحفاظ على هذا الباب وباقي أثاث المنزل كعهده ورثها عن أجداده وحافظ عليها.

يمدد ظهره على حصيرة قديمة مصنوعة من نوع معين من "البوص" كما يطلق عليه في الصعيد، ويدخل في موجة عميقة من التفكير، حائر بين مطالب أبناءه الذين تخرجوا من جامعاتهم وبدأت مشروعات زواجهم، وبين وصية والده التي ورثها عن أجداده بالحفاظ على أثاث هذا المنزل الذي يحمل في أشكاله وطرازه ومشغولاته تاريخ حافل لعائلتهم وتراث توارثه الواحد تلو الآخر.

صورة خاصة من أحد مخازن الأثاث

لكن حيرته هذه انتهت بإصرار من أبناءه على هدم المنزل وبيع هذا الأثاث الذي عفى عليه الزمن وتبديله بآخر حديث الشكل والطراز، خضع لهم في حزن وألم، فها هو خالف وصية والده، وطلب أحد تجار الأثاث لشراء أبواب المنزل الأربعة، ومعهم بعض القطع الأخرى التي لم يصبح لها مكان في المنزل الجديد، حتى "بلاط" المنزل القديم باعه مع الأثاث بعد حضور بعض "الصنايعية" لإزالة الأرضية دون إحداث كسور في "البلاط التي ما زالت تحتفظ بألوانها الزهية والقادرة على تحمل خبطات "معداتهم الثقيلة".

قطع أثاث خاصة بالتاجر عم بكر في عزبة بلال بالشرابية

عشرات المنازل ومئات القصور القديمة، في مدن الصعيد والغربية والدقهلية والإسكندرية، تتصدرها محافظة القاهرة القديمة، كالحسين والمعز والأزهر وغيرهم، تحتوى على قطع أثاث عمرها مئات السنين، بعضها يتعرض للهدم فيبيعه أصحابه لسماسرة وتجار يعملون على شراء هذا النوع من الأساس خصيصا، وبعضها تعرض للسرقة وفقا لمحاضر رسمية، والبعض الآخر ما زال موجودا يحتفظ به أصحابه لكنه معرض لسابقيه.

أحد السيارات تحمل قطع أثاث من عزبة بلال
لكن الأصعب من كل ذلك، هي إعلان أحد الشركات الأمريكية التي تعمل في تجارة الأثاث والأخشاب عن استقبال شحنة ضخمة من الأبواب و "الأنتيكات" وقطع الأثاث الجميلة المصرية، واصفة إياها بالأبواب المصرية العتيقة، وأنها في جميع الأحجام ومشغولة بالحرف اليدوية المدهشة.
صور لمجموعة من الأواني القديمة التي تستخدم في الزراعة، وعجلات "حنطور" قديم

شركة ايكو ريلاكس الأمريكية التي عرضت عشرات القطع من الأثاث المصري العتيق حسب وصفها، كتبت في تعليق على أحد الأبواب "هذا الباب الجميل تزين مرة واحدة في الكنيسة القبطية في القاهرة، النقوش في الأعلى تترجم "الله محبة" و"الله يهتم بنا"، نحن نحب القطع مع التاريخ، مؤكدة عبر صفحتها وجود كمية هائلة من رسائل البريد الالكتروني حول هذا الباب.

هذه كانت البداية، لتقصي "المولد" حول هذه التجارة الكبيرة، التي يقول البعض أنها لا تخالف القانون، لكنها أيضا رغم ذلك تمحو جزء كبير من تاريخ مصر، فعلى الرغم من أنها أيضا غير مخالفة للقانون إلا انها تجارة تعيش في "الظلام" ولها كبارها الذين يديرونها، لكن حسب خبراء آثار فإن القانون يجرم التجارة في القطع التي تجاوز عمرها المائة عام.
صورة لأحد تجار عزبة بلال

بعد عملية بحث في أسواق مصر، في السيدة عائشة والحسين والمطرية وغيرهم، عن مصادر هذه التجارة توصل "المولد" إلى عدد من الأماكن التي تعد مركزا لتجارة هذه القطع العتيقة، على رأسها الشرابية والهرم، ومن هناك تبدأ الرحلة التي استمر معد التحقيق في مهمة توثيقها أسبوعين.

أنتيكات قديمة من مخزن بالهرم

رائحة الأخشاب تفوح من شوارعها ومنازلها، ومطارق يعلو صوتها بصورة مستمرة عند كل خطوة في اتجاهها، سيارات محملة بالأخشاب خارجة من مخازنها، و"نجارون" يعملون بصورة مستمرة لإصلاح ما لديهم من "بضاعة"، صخب كبير يحمل في طياته تجارة أكبر، وهي تجارة الأثاث القديم.

راديو قديم
عزبة بلال.. بداية رحلة "المولد" لعالم قطع الأثاث القديمة

هنا في عزبة بلال بالشرابية في القاهرة، كانت بداية تقصي "المولد"، كان المشهد السابق هو المسيطر على المارين بهذه القرية مرور الكرام، لكن مع الاقتراب أكثر من منبع هذه التجارة، تظهر أبواب عتيقة صاحبة تاريخ طويل، منقوشة يدويا، ومطرزه بألوان ما زالت تسيطر على مظرها، وأشكال تكشف عن تراث وتاريخ أجيال كاملة، وألواح خشبية هالكة وأخرى متمسكة بقوتها، و "شبابيك" طويلة كبيرة الحجم، ليس كتلك التي تسيطر على عمارات ومنازل مصر الآن.

دفاية قديمة في مخزن الهرم

تجلس سيدة في العقد الخامس من عمرها، وسط أكوام من قطع الأثاث المجاورة لمنزلها في الشارع العمومي للعزبة، اقترب منها محرر "المولد" وسألها عن رغبته في شراء بعض القطع لوضعها في منزله، شاورت له بيدها بالدخول إلى غرفة بدون سقف تجاور منزلهم لرؤية باقي قطع الأثاث الموجودة لديهم.

قالت السيدة إن زوجها بكر، يتاجر في هذه القطع ويحصل عليها من محافظات عديدة، لكنها كانت مرتابة رافضة الإفصاح عن كل ما لديها من معلومات، مؤكدة ضرورة تحديد القطع التي يريد شراءها، والعودة مرة أخرى لشرائها من زوجها عم بكر الذي خرج في مهمة عمل.

غرفة بدون سقف، تحوي أبواب طويلة وعريضة ومنقوشة يدويا، عمرها يزيد عن المائة عام حسب قول صاحبتها، بينها "شبابيك" ربما نراها في الأفلام القديمة في الأحياء الشعبية، طويلة وعريضة وثقيلة الحجم، ملونة باللون الأزرق والأخضر والبني، ولوحات خشبية ذهبية تستخدم كـ "برواز" للصور، لكنها رفضت الإفصح عن أسعار تلك القطع، إلا بعد تحديد القطعة المرغوب شرائها وبيعها.

انتقل محرر "المولد"، إلى المخزن الرئيسي وورش النجارة، التقى بأحمد وهو شاب في العشرينيات من عمره، ورث مهنة "النجارة" عن عائلته، يقول إن هذه القطع يتم تجميعها من العديد من المحافظات خاصة الصعيد وطنطا والمنصورة، من خلال تجار وسماسرة يشكلون شبكة تعارف باعتبارهم في مهنة واحدة، وهي تجارة الأثاث القديم.

أحمد أحد العاملين بمخزن عزبة بلال

عندما ينوي مواطنون هدم منزلهم القديم، يتم الاتصال بأحدنا لشراء الأثاث القديم والاخشاب وحتى الأبواب الحديدية، خاصة القديمة، نشتريها بأسعار بسيطة، ونأتي بها إلى هذا المخزن الذي يتركه لهم شريف باشا مالك المكان بدون مقابل، ونعمل على إصلاحها، هنا كما ترى آلاف القطع من الأبواب والشبابيك والأنتيكات التي قد تعجب الكثير من أصحاب الأذواق، أوضح أحمد.

أحد الأبواب المشغولة

استكمل أحمد حديثه بعفوية ممزوجة بريب: كما ترى هذه الأبواب عمرها كبير وهذا ما يزيد من سعرها، وكذلك هذه الشبابيك الحديدية المشغولة التي ما زالت في كامل رونقها، لكن بعض القطع يكون بها كسور نصلحها لتكون جاهزة للبيع، فالكثير من المواطنين يأتون لشراء هذه القطع بخلاف تجار كبار ينتقون ما يصلح لتجارتهم الأكبر.

مخزن خاصة بأحد تجار عزبة بلال

أكد الشاب العشريني، وهو يمسك بمطرقته ويدق بها على أحد هيكل "شباك" يحتاج إلى عملية إصلاح، أن هذه التجارة غير مخالفة بل هي مصدر رزقهم و "أكل عيشهم"، وكل قطع الأثاث حصلوا عليها من خلال تجار آخرين والمنازل التي تعرضت للهدم وتم شراء أثاث منازلهم القديمة من أبواب وشبابيك وصالون وترابيزات وكراسي وحتى "بلاط" المنزل.

مخازن ومعدات نجارة، لكن يتخلل كل ذلك أواني قديمة عتيقة قال عنها أحد العاملين انها تستخدم للزراعة، ورحايا كتلك التي تركها لنا أجدادنا منذ عشرات السنين قبل ظهور "الطاحونة"، والتي كانت تستخدم لدش القمح أيام أجدادنا، وعجلات تخص عربيات "الحنطور" القديمة، حتى "الربع" كما يطلق عليه أهالينا في القرى والذي يعادل الأربعة منه كيلة "قمح".

"خواجات" يحملون "كونترات" من عزبة بلال للخارج

لكن كيف تخرج هذه الأبواب والشبابيك إلى الخارج؟، سؤال طرحه محرر "المولد" على بعض العاملين في المخزن منهم عم محمد الذي كان جالسا على أريكة قديمة، ممسكا بخرطوم "الشيشة" مقربا بدايته إلى فمه ويبدو عليه اندماجه، لكنه استرد قوة ذهنة مؤكدا أنهم يتعاملون مع "خواجات" من خارج مصر.

أحد الألواح الخشبية مكتوب عليه ادخلوها بسلام آمنين، ومكتوب عليه تاريخ 1995

خواجات من أمريكا وبعض دول أوروبا، ودول عربية أيضا منها فلسطين، يأتون بصورة مستمرة إلى عزبة بلال هنا، ويحملون كونترات بصورة مستمرة من الأبواب والشبابيك وغيرها من القطع، لكنهم يختارونها بعناية شديدة، وتصديرها للخارج عبر الموانئ المصرية خاصة ميناء الإسكندرية، حسب المعلم محمد.

لكن ماذا عن الأسعار؟، سؤال طرحه "المولد" على التجار، فهؤلاء الخواجات تجار الأخشاب والأنتيكات، يبيعون تلك القطع في بلادهم بأسعار عالية تبدأ من 900 دولار للقطعة الواحدة حسب حديث صاحب الشركة الأمريكية التي عرضت بعض القطع على المواطنين هناك، ليؤكد تجار عزبة بلال أن أسعار بعض القطع يشتريها الأجانب بسعر ألف جنيه إلى ألف ونص وألفين، وكل قطعة لها سعر، والذي يحكم ذلك التاريخ الذي تعود له، وأيضا حالتها، ومدى صلاحيتها.

معلم عزبة بلال يمنع التجار من الحديث ويؤكد: لا توجد مخالفات

هذه القطع غير ممنوعة التداول، فشرائها وبيعها مسموح به، فهي غير أثرية، ونحن نشتريها من أصحاب المنازل بعد هدمها، لكن البعض ربما يخالفون ذلك خارج هذا السوق، فنحن تجار وهذا رزقنا، تدخل بكري أحد التجار الجالسين في قعدة "الشيشة" بعد سؤاله عن مدى قانونية تداول هذه القطع وموقف القانون.

قطعة خشبية تستخدم كـ "برواز"

"في إيه؟"، جاء أحدهم متسائلا عما يحدث، يتضح من حديثه أنه صاحب وضع في هذا المكان، وبعد تعريف العاملين وباقي أصحاب المخازن بأن هناك أحد الصحفيين طلب انتهاء الحديث ومغادرة المكان، لكن هذه القصة لم تكن النهاية بل وثق محرر "المولد" أعمال التجارة في سوق عزبة بلال بتصوير كافة المعروضات.

مجموعة قطع خاصة بأحد مخازن عزبة بلال
المحطة الثانية.. حي الجمل بالهرم وتاريخ 300 عام

أحد تجار الأثاث القديم في منطقة السيدة عائشة دل محرر "المولد" على أحد أكبر تجار ذلك النوع من الأساس في مصر، في منطقة الهرم حيث كفر الجمل في عزبة الشطبي في مشعل الهرم بالجيزة، لكن هذا المكان كان صورة لتاريخ آخر 300 عام في مصر، اتسع الأمر من أبواب وشبابيك إلى "صالونات كاملة" وراديوهات قديمة، ومدخنة قديمة، وغرف كاملة عمرها مئات السنين.

بوابة حديدية قديمة وقفل قابل للكسر بسهولة وكلبان بلديان أحدهما أسود والآخر بني اللون، يرقدان في هدوء، كان أول مشهد بعد استقبال صاحب المخزن لمحرر "المولد" بسيارته الجيب الخاصة، من موقف الشبطي بالتحديد أمام مصنع الكمون هناك، ليستقلا السيارة ويذهبان إلى المخزن الذي يقع على مساحة فدان كامل حسب صاحبة "محمد. ع".

أبواب تعود لعصر محمد علي.. وتشكيلات وأطقم كاملة

فتح البوابة الحديدية سابقة الذكر، وبعدها بوابة أخرى لا تختلف كثيرا عن سابقتها، ثم بعدها ندخل عالم الأثاث القديم العتيق، الذي يعود بعضه إلى عهد محمد علي، وآخر إلى الصعيد، وأيضا "القعدات" الكاملة، والأطقم الكاملة لأثاث منزل كامل، فهنا 5 أبواب من نوع وشكل واحد يصلحان لمنزل جديد، وهناك مجموعة كاملة لشبابيك متناسقة لفيللا ما، وهنا باب حديد فرنسي كما يطلقون عليه بهي المنظر يحتاج لبعض الألوان، لكن الطراز الذي عليه يكفي.

أحد الأبواب القديمة بمخزن الشطبي

ممنوع التصوير، كانت تلك أولى الكلمات التي خرجت من محمد صاحب المخزن بعد محاولة التصوير لأحد الأبواب ذات الأربع قطع المعشقة في بعضها معطية بوابة كبيرة خشبية منقوش عليها محمد علي، بخط كوفي بديع، مؤكدا أن التصوير ممنوع نهائيا إلا بعض العينات التي يمكن تصويرها، للاحتفاظ بالحق في البيع، خاصة وأن بعض الزبائن يعرضون تلك الصور ويتداولونها، والبعض يستغلها في أعمال تجارية وسمسرة خاصة به.

باب فرنسي من الحديد المشغول
راديوهات إذاعية وأواني منقوشة يدويا وأسقف وأنتيكات عتيقة

اصطحب صاحب المخزن محرر "المولد"، إلى أحد"قعدات" المخزن المشكلة من قطع أثاث عمرها عشرات السنين، فهذه هي كراسي قديمة منقوش عليها بطريقة ملكية، وهذه "ترابيزات" بأشكال مختلفة وملونة، وهذه راديوهات إذاعية كبيرة الحجم وبنية اللون تعود للقرن الماضي كتلك التي كانت تسمع من خلالها اخبار الحرب، وهنا سقف مزين سعره يصل إلى 35 ألف جنيه، وأطباق قديمة منقوشة يدويا وملونة سعر القطعة منها تصل إلى 8 آلاف جنيه، حسب صاحب المخزن.

صورة لسقف سعره 35 ألف جنيها حسب صاحب المخزن بالهرم

محمد الذي لم يتجاوز العقد الثالث من عمره، بدأ حديثه بأن هناك ضروريات في العمل لابد من الحرص عليها، وعلى رأسها عدم تصوير البضاعة، لأن البعض ينشرها على أصدقاءه، وبالتالي تصبح القطع في متناول الجميع، ويتاجر بها البعض، عن طريق عرضها للبيع، وعندما يأتي له سعر عالي يأتي لشرائها من هنا بسعر أقل ويبيعها ليحقق ربح، وفي أحيان كثيرة يكونو سببا في وقف حالهم.

دول أجنبية تحمل كونترات من قطع الأثاث القديمة

محرر "المولد" قال إن شركة أجنبية في أمريكا تعمل في تجارة "الأنتيكات" القديمة، وتريد أن ترى عينة من القطع التي لديه في المخزن لبدء تجارة مشتركة معه، تفاعل صاحب المخزن مؤكدا أن عشرات الأجانب من دول أمريكا وإيطاليا ونيوزلندا وهولندا وغيرهم يأتون ويحملون عشرات الكونترات من المخزن الخاص به، موضحا أن لا يتحمل مسئولة محاطر خروج تلك القطع خارج البلد، لكنه يبيعها ويقبض الثمن ولا علاقة له بأي شيء آخر.

5 آلاف دولار ثمن باب يعود لعصر محمد علي

هناك بعض القطع من الأثاث تمنع الجمارك خروجها من مصر، ومن الممكن أن تتسبب قطعة من تلك القطع في وقف تصدير كونتنر كامل في الميناء لمدة 6 اشهر وعام، لذلك يكون مشتري تلك القطع بهدف تصديرها في خطر كبير، ليس لنا علاقة به، وأن أحد الأجانب من أمريكا اشترى 15 كونتر خلال الفترة الماضية وحملها على فترات قريبة، في كل شحنة كونترين، استكمل محمد حديثه، موضحا أن تصدير هذه القطع كان أكثر رواجا قبل ثورة يناير 2011.

أحد الأبواب تعود لعصر محمد علي

بعد شرب الشاي في "كبايات" عتيقة تناسب ذوق الجلسة والغرفة، قال محمد صاحب المخزن، إنه سيجري جولة في المخزن مع إمكانية التقاط صور لقطع معينة، حتى يمكن للمشترين الأجانب التعرف على الموجود ويكون لديهم الرغبة في الشراء بعد رؤية هذه العينة المختارة من أقدم وأجود القطع الموجودة في المخزن.

أواني كانت تستخدم في الزراعة

بدأت الجولة باب قديم مكون من أربعة "ضرف" بعرض يصل إلى 4 متر وربما يزيد، وطول أكبر من ذلك بقليل، منقوش على أطرافه في اليمين واليسار اسم محمد علي، خشبه سميك وثقيل الوزن وبحالته التي جاء بها، حيث أن هذا الباب كان في أحد المنازل القديمة في أحد محافظات الصعيد، وبعد هدم هذا المنزل اشتراه أحد التجار منهم إلى أن وصل إلى هذا المخزن، دون أي تجديد له، فحسب صاحب المخزن فإن حالته هذه ترفع من سعره، خاصة وأن رائحة التاريخ تفوح منه.

يجاوره باب في نفس حجمه، لكن عمال المخزن قامو بعملية تنظيف وغسيل له، حسب صاحب المخزن، الذي أكد أن القطعة الواحدة من هاذين البابين يصل سعره إلى 5 آلاف دولار، فهو أحد أهم القطع الموجودة في المخزن، مؤكدا أن هناك تشكيلات كاملة من الأبواب في المخزن لا يمكن الحصول عليها من أي مكان آخر.

يقول محمد صاحب المخزن: هذا الباب فرنساوي من الحديد، وكما ترى مشكل من طراز عالي الدقة، هناك العديد من الأبواب من نفس الطراز ونفس أسلوب التصنيع، سعره لا يمكن الإعلان عنه حاليا، وهذه 5 أبواب من نوع واحد طولها أكثر من 4 أمتر ومكونة من ضرفتين، نفس اللون، وتصلح كتشكيله لمنزل جديد يملكه أصحاب ذوق رفيع، بالإضافة إلى تشكيلات أخرى الأبواب والشبابيك بألوان ونقوش مختلفة الأحجام والأشكال، وكل قطعة لها سعرها الخاص بها.

أحد الأبواب في عزبة بلال

الرحلة ما زالت مستمرة، فهناك "بلاط" قديم عتيق ذو ألوان ما زالت غنية بجمالها، مختلفة الأشكال والأحجام، ونوع من البلاط يدعى القرار هو الذي يسمح له بالتصدير، وهذه أيضا برامق السلالم التي تظهر عادة في أفلام عبد الحليم حافظ، فالعديد من المخرجين وأصحاب شركات الإنتاج يتعاقدون مع المخزن؛ لاستخدام العديد من القطع القديمة في تصوير العديد من المسلسلات ذات الطراز القديم والتاريخية.

أمريكا وكندا وهولندا وبلجيكا أبرز الدول المستوردة.. وغرف متكاملة متوفرة في مخزن الشطبي

وأوضح صاحب المخزن، أن هناك شبابيك اتش باير هو الخشب الأصلي القديم، بالإضافة إلى شبابيك الفرشمو، وأنه يتعامل مع العديد من الدول في الخارج مثل أمريكا وكندا وهولندا وبلجيكا وسفارات عديدة في مصر لكنها تأخذ كميات بسيطة، لكن في الخارج يأخذون بالكونترات.

نهاية الجولة كنت غرفة ملكية، فهذه شبابيك ذات ألوان مختلفة تشع من زجاجها الملون بالعديد من الألوان المختلفة، التي تنور الداخل ليلا، ومن الخارج ليلا، وهذه كراسي قديمة عتيقة، وهذه "دفاية" على الطراز الملكي، وبلاط في الأرضية من ذلك الموجود في الخارج، لكن بعد تركيبه في أرضية الغرفة أصبح أكثرجمالا، مضيفا أن أحد المسئولين في الدولة اشترى منه باب منزل، وشيد بناء على هذه الباب فيللا لتركيبه فيها، موضحا أن هناك "قعدات" ملكية لحدائق المنازل، بالإضافة إلى واجهات منازل كتلك التي كانت منتشرة في أحياء مصر قديما، والمصنوعة من الخشب القديم..

تشكيلات من نفس الشكل والنوع لأبواب وأنتيكات وشبابيك

مئات الأبواب وآلاف القطع العتيقة من الأبواب والشبابيك والأنتيكات القديمة، بعضها يعود إلى عصور سابقة، وأخرى تعود إلى منازل في الصعيد ومحافظات الغربية والمنصورة والبحيرة، التي يقوم صاحب المخزن بجمعها من السماسرة والتجار حال ظهورها في السوق، فجميع التجار يتصلون به لشراء أحد تلك القطع قبل أن يلتقطها تاجر آخر، حيث أكد أنه مخزنه يحتوي على تشكيلات ومجموعات من نفس الشكل والنوع لأبواب وأنتيكات وشبابيك، تصلح كأساس لمنزل كامل، وليس قطع عشوائية، وهذا ما يزيد من قيمتها.

صور لتشكيلات أبواب من نفس النوع

انتهت الجولة، بالاتفاق على عرض تلك الشحنات على الشركات الأجنبية، لبدأ عمليات التصدير، مع تصوير قطع معينة كعينة، لكن الرحلة لم تنته بعد.

الشركة الأجنبية توضح: حصلنا على القطع من "ديلر" مصري يتاجر في الآثار

بالاتصال بشركة ايكو ريلاكس التي عرضت بعض الأبواب وقطع الأساس المصرية في أمريكا، وسؤالها عن مصدر تلك الأبواب وكيفية خروجها، أكد أن "ديلر" مصري أوصلها لهم إلى هناك، وأن هذه الأبواب تم شراءها من رجل مصري يتاجر في الآثار وأنه يثقون في مصداقيته.

شركة ايكو ريلاكس تعرض أبواب مصرية للبيع

ورفض الإفصاح عن اسم المورد المصري، مؤكدا أنه ليس له علاقة بمصدر هذه الأبواب، ولكنه أوضح أنه يتلقى شحنات ضخمة من الأبواب المصرية العتيقة، وأنها تأتي في جميع الأحجام والحرف اليدوية مدهشة، وأنه لا يحتفظون بهذا لمدة طويلة ، مؤكدا أن لكل قطعة سعرها فبعض القطع تتجاوز الـ 10 آلاف دولار.

سرقة المساجد والمباني الأثرية والمنابر وتجارة قطع الأثاث

بعد عمليات بحث في القاهرة القديمة، في مناطق السيدة عائشة والحسين والمعز وبعض الاماكن الأثرية في المحافظات الأخرى، اكتشف "المولد" وجود عشرات الوقائع الخاصة بسرقة أبواب وأسقف أنتيكات قديمة وأثرية من مساجد ومناطق أثرية، بصورة مستهدفة ومحرر بها محاضر رسمية، ففي الإسكندرية اختفت عدد من الأبواب الأثرية والقناديل القديمة والأسقف الخشبية النادرة، من داخل مسجد نظير أغا، الكائن فى منطقة سوق الجمعة غرب الإسكندرية.

وحسب الدكتورة منال فوزي، أستاذ علم المصريات بجامعة الإسكندرية، أن هذا المسجد هو أحد أبرز المساجد الأثرية، التي تعود إلي العصر الإسلامي، كما يضم عدد من الصهاريج أسفل الأرض بداخله والتي تربط منطقة سوق الجمعة بالقباري والمكس، مؤكدة في تصريحات سابقة، أن مديرية أوقاف الإسكندرية أسندت ترميم مسجد نظير أغا الأثري، لأحد المقاولين دون إخطار باقي الجهات المعنية، سواء وزارة الأثار، أو قطاع الأثار الإسلامية بالوزارة.

أحد الأبواب المعروضة في أمريكا والتي لاقت عروضا كثيرا لشرائها

وأضافت أن المسجد به عدد من النقوش الإسلامية والأعمدة الجرانيت والبازلت، كما يضم أسقف قديمة من الخشب النادر والتي يعود تاريخها لنحو أكثر من مائتي عام والتي تستخدم في صناعة البخور وتباع بأثمان باهظة، كما تتم عملية الترميم دون تواجد من أي جهة مشرفة علي الأعمال.

الرب راعي.. باب لأحد الكنائس المصرية حسب الشركة العارضة في أمريكا

ليس هذا فقط، فحسب تقرير أصدره قطاع الآثار الإسلامية بوزارة الآثار فإن هناك عشرات السرقات التى تعرضت لها أشهر مساجد ومدارس القاهرة التاريخية، خاصة المنابر التي دائما ما تكون هى الهدف للصوص، وأن ما يزيد على 16 منبرا تعرضت للسرقة بالكامل أو سرقة اجتزاء منها، لأنه تعتبر سوقا رابحة جدا لأصحاب صالات المزادات العالمية.

صورة أخرى للأبواب المعروضة في امريكا

وفي مارس من العام الماضي، تعرضت مقصورة السلطان الكامل الأيوبي الموجودة داخل قبة الإمام الشافعي بالقرافة الصغرى للسرقة، حيث تم سرقة الباب الخشبي للمقصورة، والذي يبلغ طوله 70 سم، بالإضافة إلى مجموعة من الزخارف الخشبية المعمارية صغيرة الحجم.

محرر "المولد" في مخزن عزبة بلال بالشرابية

وفي يناير الماضي، تعرض جزء من الباب الوهمى لمقبرة نيفرسيس في المنطقة الأثرية بالهرم للسرقة، في المنطقة الجبلية وبالقرب من نادى أبو الهول السياحى، وأن الجزء المفقود من الباب الخارجى لبوابة المقبرة، أو ما يطلق عليه (الباب الوهمى) ومساحته حوالى 60 سم، مرسوم عليه عدد من النقوش.

صورة أخرى لأواني ورحايا وعجلات "حنطور" قديمة

عشرات السرقات لفيلل تحوي قطع أثرية أيضا، منها "عصابة" تمكنت مباحث الإسكندرية من ضبطها، متخصة في سرقة "الفلل" بالعجمى في الإسكندرية، وأعادت مقتنيات أثرية قدرت قيمتها بأربعة ملايين جنيه أصحابها.

القانون: الإبلاغ في حالة وجود أثر عقاري..

قانون العقوبات في المادة 23 من القانون رقم 117 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1991 ينص على أن: كل شخص يعثر على أثر عقاري غير مسجل أن يبلغ هيئة الآثار به، ويعتبر الأثر ملكًا للدولة وعلى الهيئة أن تتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة عليه.

وأضاف القانون: ولها خلال ثلاثة أشهر إما رفع الأثر الموجود في ملك الأفراد، أو اتخاذ الإجراءات لنزع ملكية الأرض التي وجد فيها، أو إبقائه في مكانه مع تسجيله طبقا لأحكام هذا القانون، ولا يدخل في تقدير قيمة الأرض المنزوع ملكيتها قيمة ما بها من آثار، وللهيئة أن تمنح من أرشد عن الأثر مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة إذا رأت أن هذا الأثر ذو أهمية خاصة.

بينما تنص المادة 24 من القانون على أن كل من يعثر مصادفة على أثر منقول أو يعثر على جزء أو أجزاء من آثر ثابت فيما يتواجد به من مكان أن يخطر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمان وأربعين ساعة من العثور عليه وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة وإلا اعتبر حائزا لأثر دون ترخيص، وعلى السلطة المذكورة إخطار الهيئة بذلك فورًا، ويصبح الأثر ملكًا للدولة، وللهيئة إذا قدرت أهمية الأثر أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة.

كبير أثاريين: هجمة لسرقة قطع الأثاث ونهبها

وقال الدكتور مجدي شاكر كبير أثريين بوزارة الآثار، إن مصر لا تمتلك إلا جيشا وتراثا حضاريا سواء مادي أو معنوى وهناك هجمة عليها لمحاولة هدم هذا الجيش وسرقة هذا التراث، وللأسف يسهم بعض أبناء هذا الوطن معهم في ذلك ويعتقد كثير من الناس أن التراث هو فقط الأثار ولكن كل عمل حضارى مادي أو معنوى هو تراث ويكفي أن كثير من تراثنا الاذاغى والسنيمائى تم نهبه وكثير من الكتب والوثائق وطوابع البريد والعملات القديمة.

وأكد لـ"المولد"، أن هناك هجمة على الفلل والقصور القديمة وهناك قصر فى حلوان تم تفكيكة بالكامل حتى كرانيش الأسقف، مؤكدا ضرورة عمل حملة توعية لأهمية هذا التراث ونضع من القوانين الصارمة لمنع ذلك ونمنع المال من الانتصار على التراث.

أحد الأسقف المعروضة للبيع في مخزن بالهرم
الثقافة: ليس لنا علاقة.. والآثار لا ترد
حاول "المولد" الاتصال بمسئولي وزارة الآثار، إلا أنهم لم يستجيبوا لتلك المحاولات، التي استمرت لمدة يومين، قبل نشر التحقيق، بينما أكد المتحدث الإعلامي لوزارة الثقافة محمد منير، أن الثقافة ليس لها علاقة بذلك، ووزارة الآثار إلى المسئولة عن الرد.

Report Abuse

If you feel that this video content violates the Adobe Terms of Use, you may report this content by filling out this quick form.

To report a Copyright Violation, please follow Section 17 in the Terms of Use.