Loading

قصص الحب والعذاب فتيات دور الرعاية يرون حكاياتهم للدستور

سالى رطب

شارك في الاعداد: عبير جمال

فى إحدى أمسيات أغسطس الماضي سمعت طرقًا على باب غرفتى ثم إنفتح دخلت إحدى مدرساتى فى الدار والتى كانت أقربهم إلى قلبي ويبدو على ملامحها الحزن وقالت لى "ياتغريد فى خبر مش حلو "محمد" كلمنى وقال لي إن أهله رفضوا زواجكم".. وصمتت

تغريد

لم أدر ماشعوري عندما أدركت بعد مايقرب من ثلاثة سنوات إرتباط أن الحدث السعيد الذي كنت أنتظره لم يعد سعيدًا فمن رسمت مستقبلي معه وحلمت ببيت يجمعنى به لم يعد موجودًا فأهله رفضوا ارتباطنا وظل السؤال الذي يتردد فى ذهني، لماذا يرفضنا المجتمع فمانحن فيه ليس اختيارنا لقد كان القدر ورضينا به وتقبلناه فلماذا لم يتقبله الاخرون! يذكروننا دائما بأصلنا يرفضوا أن نكون جزءًا من مجتمعهم لأننا كما يقولون تربية ملاجئ

حكاية تغريد واحدة من عشرات الحكايات لفتيات تحدثت إليهن "الدستور" بعد أن بلغن سن الرشد وترك بعضهن المعيشة فى دور الأيتام وكيف تعامل معهن المجتمع، ورغم عدم وجود إحصائية رسمية دقيقة فى مصر عن الأطفال اليتامى، إلا أن التقديرات تشير إلى أن عددهم يتراوح ما بين 3٪ و5٪ من عدد السكان، بنحو 4 ملايين يتيم، يعيش عدد منهم فى دور الرعاية التى تصل إلى 30 ألف دار

تغريد فى الخامسة والعشرون من عمرها نشأت فى إحدى دور الرعاية بمدينة الإسماعيلية، تقول تغريد أنا مثل أى فتاة تحلم بالحب ومن يشاركها حياتها ولكن لأننى تربيت فى دار للرعاية لم يعد هذا من حقى، وأضافت فى حديثها مع "الدستور" تعلقت بأحد الشباب الذي كان زميلي فى معهد"المنشآت البحرية "الذي أدرس به ومن اليوم الأول فى علاقتنا كان يعلم أننى أعيش فى إحدى دور الرعاية ولا أعلم أين أهلى، ومع ذلك ظل متمسك بي، ولكن كنا نواجه مشكلات مع أهله الذي رفضوا هذه العلاقة لأننى كما قالوا تربية ملاجئ

استطردت تغريد كانت إحدى مدرساتى فى دار الرعاية تعلم تفاصيل الحكاية وكانت على تواصل مع الشاب وأهله وكانت تعلم أنه يحاول إقناع أهله بي وفى أحد الأيام جاءت لتبلغنى أن أهله رافضين تمامًا لفكرة إرتباطه بى وقالوا له "نحن نريد بنت أصول لها أصل وأهل"، وذلك بعد مرور مايقرب من 3 سنوات على علاقتنا وطلب من المدرسة أن نظل على تواصل حتى يتمكن من إقناع أهله لكننى رفضت أن أستمر فى علاقة أصبح من الواضح كيف تكون نهايتها

تابعت أنا ليس لي ذنب بأننى وجدت نفسي فى دار للرعاية بدون أهل ولكن المجتمع يحاسبني على ذلك كأننى المسئولة عنه، موضحه قصة الحب التى انتهت لأننى تربيت فى دار رعاية لم تكن الأولى ولكن سبقتها قصه أخري ظلت عامين مع أحد زملائي فى المعهد أيضا وإنتهت لنفس الأسباب، وأعلم أن الوضع يظل كذلك فمن حولى يرفضوا أن يعاملونى مثل باقى الفتيات اللاتي تربين وسط أهلهم

وعن أكثر المواقف التى تسببت لها فى الشعور بالألم، قالت تغريد من الممكن أن أتفهم لماذا يعاملنا من هم بنفس أعمارنا على أننا منبوذين لكننى لم أتفهم لماذا يعاملنا من هم أدري بوضعنا بإحتقار، وأضافت واحدة من المواقف التى لم أستطع أن أناسها أبدًا رغم أنه مر عليها عامين كان من إحدى الأطباء النفسيين الذي يأتون للدار،وأثناء حديثنا معها قلت لها" أنا بحسبن على كل واحد ظلمنى" ردت قائلة" حسبنى على امك وأبوكى إلى رموكى" قلت لها" ومن قال لكى أنهم رمونى" قالت لى " أمال إحنا جايبينك منين" سببت لى الكلمة صدمة وبكيت كثيرًا أنا وأخوتى من هذه الكلمات ووقتها قالت مديرة الدار للطبيبة "بيمثلوا بيمثلوا سيبك منهم"

جيهان 25 سنة تعمل مشرفة فى إحدى دور رعاية الإسماعيلية، قالت حكايتى مع الدار بدأت وأنا عمري 4 سنوات وماعلمته من العاملين فى الدار أنهم جاءوا بى من محطة القطار، وتابعت داخل الدارتعرضت لكل أنواع التعذيب موضحه "وأنا صغيرة كنت شقية وبقول ألفاظ خارجة لكننى لم أكن أفهم قبحها فلم أكن تخطيت السادسة "، وقامت إحدى المشرفات فى الدار بتجريدى من ملابسي كاملة ودهن جسمى بالعسل وربططنى فى عمود على سطح الدار ليقوم النحل بلدغى "

وأضافت فى حديثها مع "الدستور" ذقت فى هذه الدار كل أنواع التعذيب لدرجة أننى فى إحدى المرات هربت من الدار ولكن أحد سائق الدار وقتها وكان إسمه " ياسر" طاردنى فى الشارع وكنت حافية القدمين لم أشعر وقتها بالدماء التى سالت من دمى بعد أن جرحتها قطع الزجاج فى الشارع ولم أشعر بالعربية التى كادت أن تصدمنى لأننى لم أكن أفكر سوى فى الخلاص من الدار ومايحدث لى فيها لكن حارس السائق من ياسر إستطاع أن يمسك بى ويعود بى إلى الدار

جيهان

وأوضحت المشرفين فى الدار كانوا يوقظونا بالماء البارد فى الشتاء ويضعوا الشطة فى أعيننا كنوع من العقاب، وإذا غفلنا للحظات ونحن نكتب فروضنا المدرسية نستيقظ على لطمة شديدة على وجهنا تنبها أنه لاوقت للراحة، وتابعت التعذيب الذي تعرضت له على يد إحدى المشرفات فى الدار لم يقتصر فقط على الضرب المبرح والإهانة، ولكنها قامت بما لاأستطيع أن أبوح به لأحد ولايكون الرد عليه إلا بالقتل

جيهان قالت أكملت تعليمى حتى الثانوية فقط، والوضع فى المدرسة لم يكن الأفضل فدائما ماكانت إدارة المدرسة تقوم بطردنا جميعًا، وأوضحت كنت أنا وأخوتى فى المدرسة سويًا وعندما يضايقنى زملائنا بكلام يجرحنا فكانوا يلقبوننا ب"اللقطاء" كنا لانترك حقنا ونقف جميعًا صف واحد معًا ضدهم وكل ماكانت تقوم به إدارة المدرسة هو طردنا رغم أنهم زملائنا هم من كانوا يذلونا بأصلنا وأننا تربينا فى ملجأ، لكن بما أننا الجانب الأضعف فكان حقنا دائما مهضوم

استطردت جيهان الوضع فى الدار الأن مختلف تمًاما عن الماضي فمديرة الدار تتعامل معنا كأننا بناتها وتعامل الله فينا، وبعد عملى فى الدار كمشرفة أتعامل مع الجميع بالصورة التى كنت أتمنى أن أعامل بها،وتابعت جيهان قصتها تزوجت منذ شهر واحد وخرجت من الدار لبيت زوجى، وكان الزواج تقليديًا، فجاء زوجى الذي يعمل" مبلط سيراميك" إلى الدار طالبًا عروسًا ورشحتنى له مديرة الدار، ورفضته ثلاث مرات إلا أنه النصيب، وقالت رغم أننى تزوجت منذ شهرين إلا أننى لم أحبه ولا أعتقد أننى سأحبه

وعن أسباب إختيار زوجها لعروسة من الدار قال أننى أخترت الزواج من دار رعاية لاننى أيضا يتيم وأشعر بما يشعر به الأيتام فى هذه الدور

فوزية 18 عامًا حاصلة على دبلوم تجارة، قالت المجتمع لديه فكرة مغلوطة عن دور الرعاية فالجميع يتخيل أننا فى الدار لانأكل ولانلبس كما يفعلون، رغم أن الرعاية التى نحصل عليها قد لاتحصل عليها الكثير من الفتيات اللآتى يعشن وسط أهلهم، موضحه أن الفكرة المغلوطة التى كونها المجتمع عن دور الرعاية هى السبب فى معاملتهم السيئة لنا

وأضافت بعد أن حصلت على الدبلوم طلبت من مديرة الدار أن أكمل تعليمي وأدخل الجامعة ووافقت رغم أننى قلت لها أن الجامعة ستحتاج إلى مصاريف كبيرة إلا أن ردها كان "هعملك كل إلى تحبيه"، وأتمنى أن التنسيق يمكننى من دخول كلية التجارة

صورة تعبيرية

تابعت فوزية معاملة الناس مع اليتامى مختلفه وكل شخص حسب البيئة التى تربى فيها، فبعض أصدقائي من المدرسة عندما علموا أننى من إحدى دور الرعاية أصبحت معاملتهم معى أفضل ومنهم من قاطعنى، فليس الجميع لديه القدرة على تقبل الآخر، وتعلمت ألا أفكر فى الموضوع كثيرًا حتى أستطيع أن أكمل حياتى

وعن أسوأ المواقف التى تعرضت لها من زملائها فى المدرسة قالت فى إحدى المرات وقعت مشادة بينى وبين إحدى الزميلات فقالت لى "إنتى هتنسي نفسك إنتى تربية ملجأ".. والكلام وجعنى وظللت أبكى طوال النهار

تابعت فوزية المواقف السيئة التى تعرضت لها فى حياتى لم تكن فقط من زملائي فى المدرسة ولكنها كانت أيضا ممن أحببتهم وتمنيت أن أكمل حياتى معهم، واوضحت ارتبطت مرتين الأول كان يعلم أننى من دار رعاية ولم تتغير معاملته معى لكننا لم نكمل فكنا مازلنا صغارًا، أما الثانى تعرفت عليه من سنوات قليلة مضت ولم يكن يعلم أننى من دار رعاية وعندما علم طريقته معى تغيرت وتركنا بعضنا، وأدرك من هذه العلاقات أن الحياة لم تقف عند أحد ومن يريد الإرتباط بى لابد أن يأتينا حتى باب الدار

هبه 19 عامًا فى تدرس فى إحدى جامعات الإسماعيلية، تقول دخلت الملجأ وأنا فى السادسة من عمري، وكنت قبلها أعيش مع أحد المتكفلين بى لكنه تزوج وكانت زوجته لديها ابن، وقوانين الدار تمنع وجودي فى منزل به أولاد ، فرجعت إلى الدار، لكنه مازال متكفل بمعيشتي كاملة حتى الآن واصطحبنى لاداء فريضة العمرة مؤخرًا

تابعت هبه طريقة معاملة المجتمع لنا جعلتنى رافضة لفكرة الحب والإرتباط فماحدث مع إخوتى ووقوعهن جميعًا فى قصص حب فاشلة بسبب تربيتهم فى إحدى دور الرعاية جعلنى أخشي أن أجرح أيضًا، وأضافت الحياة فى الدار مختلفة عما يتخيله البعض، فالمديرة الحالية " ماما ريم" متفهمه وضعنا وإحتياجاتنا فإذا طلبنا منها أن نخرج مع بعض أصدقائنا من خارج الدار ترسل معنا سائق الدار إلى المكان الذي نرغب أن نذهب إليه وتظل معنا على التليفون حتى نعود مرة ثانية إلى الدار، لكن المديرة القديمة كانت معاملتها قاسية وكانت تصل إلى طردها للمتكفلين بنا وكانت ترفض تمًامًا خروجنا من الدار" كنا طول الوقت محبوسين"

واستطردت هبه الدار وفرت لنا من الناحية المادية كل أنواع الرعاية فندرس فى مدارس حكومية وتخصص لنا سائق وأتوبيس ينقلنا من الدار للمدرسة والعكس، ولكن من الناحية المعنوية فليست كل مديرة فى الدار لديها القدرة على تعويض ماينقصنا من حنان الأهل، فبعضهن كان يعاملنا معاملة سيئة والبعض الآخر كان يعاملنا بطيبة وحنان، وأوضحت أن المجتمع أيضا ليس كله سئ معنا فهناك من يتعامل معنا على أننا لانختلف عنهم فى شئ ومنهم من ينبذنا

قال جمال فرويز أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، إن المجتمع يعانى الآن من ضعف الثقافة وهى ماتجعله يحاسب الآخرين على أشياء لاذنب لهم فيها، موضحًا أن المجتمع كون صورة على الفتيات اللآتى تربين فى دور رعاية على أنهم لقطاء وبالتالى ينبذهم بعض الأفراد

وتابع على مواقع التواصل الإجتماعى بعد أن يتم تسريب فيديو للتعذيب داخل إحدى دور الرعاية نجد تعاطف وغضب كبير من أشخاص هم أنفسهم يرفضوا التعامل مع بعض من تربي فى هذه الدور وهذا نتيجة الأزدواجية الكبيرة التى توجد داخل كل شخ فينا، موضحا أن أغلبنا يتعامل على مواقع التواصل الاجتماعى بمثالية شديدة يحاول إظهارها أمام الناس لكن فى حياته الحقيقية تظهر عقده الحقيقية

وأوضح فرويز أن جزء من التعامل السئ بين المجتمع والأيتام يرجع لسوء معاملة من الأيتام أنفسهم فالطريقة التى تربوا بها فى دور الرعاية والمعاملة المتوحشة التى تعرضوا لها فى بعض الأحيان جعلتهم كارهين للمجتمع ولديهم إحساس بالدونية مما يجعلهم يصبون الغضب الكامن داخلهم على المجتمع

صورة تعبيرية
Created By
Digital Dostor
Appreciate

Report Abuse

If you feel that this video content violates the Adobe Terms of Use, you may report this content by filling out this quick form.

To report a Copyright Violation, please follow Section 17 in the Terms of Use.