Loading

جنود الله المراسل الحربي لـ"الدستور" يتعايش على خط النار مع مقاتلي العملية الشاملة في سيناء

رسالة سيناء - أحمد عاطف

مَن سمع ليس كمَن رأى.. قاعدة بديهية تؤكد أن التقييم الحقيقى لأى مهمة لا يكون إلا عبر الوجود فى قلبها والوقوف أمام تفاصيلها، ولعل العملية الشاملة «سيناء ٢٠١٨» التى أعلنت القوات المسلحة انطلاقها لمكافحة الإرهاب على كل الاتجاهات الاستراتيجية، هى الأكثر تعبيرًا عن ذلك

فمع محاولات كثيرين التقليل من حجم الملحمة التى يقوم بها رجال قواتنا المسلحة الباسلة لتطهير الأرض من فساد الإرهاب، تصبح رؤية بطولات هؤلاء الرجال على أرض الواقع «فرضًا»، للرد على كل مَن يكتفى بالسمع

وفى الوقت الذى كانت فيه إشارات البث فى القاهرة تستعد لاستقبال معلومات البيان الخامس عشر حول نتائج «سيناء ٢٠١٨» لنقلها إلى الشعب المصرى، والتأكيد أن أبناءه من المقاتلين المصريين يتلقون عنهم الطلقات كى لا تصل إليهم فى قرى ومحافظات المحروسة، كانت «الدستور» فى قلب الحدث

وعبر مراسلها الحربى، الذى سمحت له القوات المسلحة بالوجود فى «ميدان المعركة»، عاشت «الدستور» مشاهد من «سيناء ٢٠١٨»، جنبًا إلى جنب مع القوات على الجبهة وعلى مدى ٧ أيام بمنطقة وسط سيناء مع قوات الجيش الثالث الميدانى، لتشاهد وتوثق كل لحظة فى تاريخ رجال شرفاء أقسموا على عدم التفريط فى حفنة تراب واحدة.

بداية الانطلاق كانت من القاهرة، حتى وصولنا إلى المجرى الملاحى ونفق الشهيد أحمد حمدى، وبعكس ما يظن البعض بأن التكدس والزحام «سيد الموقف»، كان المشهد يدل على قوة التأمين والتعامل بلطف مع المارة

كان اللافت إلى الانتباه تسهيل دخول الحالات الإنسانية من العائلات السيناوية، والاهتمام بتسريع حركة إدخال الخضروات والفواكه والمواد الغذائية، وكذلك سيارات الأسمنت التى تساعد على إعادة إعمار بعض المنازل التى تهدمت

علمنا بأن المجرى الملاحى يقوم على تأمينه فوج تأمينى كامل، لا تمر منه «نملة» إلا بعلم القوات المسئولة، حيث تدخل كل السيارات التى فى طريقها إلى سيناء- بلا أى استثناء- إلى ما يسمى «ساحة تفتيش»، وتمر عبر أجهزة «إكس راى» ضخمة للكشف عن المتفجرات وأى شىء آخر. بعد ذلك تمر السيارات بمرحلة التفتيش اليدوى بواسطة الجنود، الذين يبحثون فى كل كرتونة بعد إنزالها من السيارة للتأكد من المواد الموجودة بداخلها، قبل أن تبدأ مرحلة تفتيش السيارة من الداخل جزءً جزءً

وحسب القائمين على تأمين المجرى الملاحى، فإن الأولوية فى العبور ليست لأصحاب الوظائف الرفيعة أو للجهات الأمنية أو غيره، بل للحالات الإنسانية والمواد التموينية والإعاشية من مأكولات ومشروبات وأدوية ومواد طبية

ساعتان بالتمام والكمال حتى وصلنا إلى مقر قيادة العمليات فى وسط سيناء، تسبقنا وتلحقنا مدرعتان لتأمين سيارتنا، وهنالك كان فى استقبالنا قائد الجيش الثالث اللواء أركان حرب محمد رأفت الدش، يرافقه رئيس أركان الجيش الثالث وعدد من القادة العسكريين والشرطيين

وكشف القادة العسكريون لنا عن تفاصيل من المعركة، بعد أن وجهنا لهم بعض الأسئلة حول طبيعة الجماعات الإرهابية فى وسط سيناء، وكيف يتم اصطيادهم، وكذلك استمعنا إلى قصص عن أبطال وشهداء لا يعلم عنهم من يقيمون خارج منطقة العمليات، مشددين على أن تلك المرة غير كل المرات، فـ«الإرهابيون يهربون من المقاتلين كالفئران فى الجحور

وشرح أحد القادة تفاصيل عمليات مكافحة الإرهاب فى وسط سيناء، قائلًا إن المنطقة لها طبيعة جبلية خاصة مختلفة عن الموجودة فى شمال سيناء، إذ تتميز كلها بالجبال الشاهقة والهضاب، كما أن التكفيريين يحفرون كهوفًا سرية بداخلها، وهى فى بيئتهم فى الأساس، ولا أحد يعرف تفاصيلها مثلهم، ولذا فإن «العمليات فيها تكون مرهقة للغاية، ولا بد أن تكون محددة بدقة من قبل القوات»، مضيفًا: «الآن ندخل ونقتحم عليهم سراديبهم وجحورهم»، مؤكدًا أن الهدف الأساسى هو التخلص من فلول الإرهابيين الذين هربوا، وكذلك التنفيذ الفعلى على الأرض لمشروعات التنمية فى سيناء، والتى وصل عددها لما يزيد على ٣٠٠ مشروع، جرى الانتهاء من ١٠٠ منها على الأقل

فى الخامسة من صباح اليوم التالى، داخل إحدى الكتائب القتالية فى وسط سيناء، وقع نداء التدريب على أذنى بقوة، دفعنى إلى الاستيقاظ رغم إرهاق الأمس، بعد تسكيننا وسط الضباط والجنود فى عنابر وغرف النوم

أصوات الضباط والجنود تهز الساحة بنداءات حماسية: «الصاعقة اتعملت للرجالة.. حد ضعيف وسطنا ده محالة.. صاعقة شعار الحديد والنار.. دمى بيغلى ليل ونهار.. طالعلك يا عدوى طالع جبل من نار.. هعملك من دمى ذخيرة واعمل من دمك أنهار

بعدها، توجهنا إلى «الميس» المكان المخصص لإطعام المجندين، حيث تناولنا وجبة عبارة عن علبة جبن وقطعة حلاوة ومربى و٤ قطع خبز طازجة، على عكس الفكرة الخاطئة التى يرددها البعض بأن المجندين يأكلون طعامًا ليس على المستوى، ومن ضمن ما لاحظته أن وجبة المجند هى نفسها وجبة الضابط الموجودة فى «ميس» الضباط، وكذلك هى نفسها وجبة القائد والضيوف.

من داخل أحد مقار القيادة الميدانية لمركز عمليات الجيش الثالث الميدانى بوسط سيناء، وردت التعليمات بالإحداثيات للهدف المخطط استهدافه ومداهمته وتطهيره من مجموعة تكفيريين توفرت عنهم معلومات استخباراتية بوجودهم داخل كهف جبلى وعر، وصل ارتفاعه إلى ٨ كم عن سطح الأرض

تحدث قائد الجيش الثالث عبر اللا سلكى لجميع الوحدات فى كلمة حماسية للمقاتلين، ووصف اليوم بأنه «قوى ومهم» للأبطال، مؤكدًا أنه سيكون سعيدًا بالقبض على التكفيريين

تحركنا من مقر إحدى الكتائب الميدانية بوسط سيناء القريبة من منطقة العمليات، حتى وصلنا إلى أحد الكمائن الحدودية الجبلية المطلة على مسرح العمليات، وبعد أن استقبلنا قائد الكمين وأوضح لنا خطوات السير ومبادئ المداهمة التى نحن بصدد المشاركة فيها، لم تمر دقائق حتى وجدنا أنفسنا أمام كتيبة المدفعية التى تحتوى على عدد من المدافع

وردت إلى قائد الكتيبة الإحداثيات الخاصة بأحد الكهوف العميقة داخل جبل شاهق الارتفاع بوسط سيناء، وذلك عبر عناصر الاستطلاع المتمركزة فى الجبال، وعبر جهاز الحاسوب وُضعت الإحداثيات، وأُسقطت على الخريطة وتحدد الموقع بدقة

وقبل «تعمير» المدافع بالقذائف، جرى تحديد سرعة الرياح وحالة الطقس والضغط الجوى عبر جهاز خاص بتلك القياسات، موجود جنبًا إلى جنب مع المدفعية

وبسؤال قائد الكتيبة عن أسباب قياسه حالات الطقس، أوضح: «حتى لا تؤثر على القذائف، ونتمكن من إصابة الأهداف بدقة متناهية، مع مراعاة دقيقة للقمم الجبلية

دقيقة واحدة، ووصلت إلينا نتائج العملية، بأنها نجحت، وأصابت فردين تكفيريين ممن كانوا بالداخل، فيما هربت مجموعة أخرى، فجرى إرسال تصحيح هدف آخر للمدفعية وقُصف مرة أخرى

عدة دقائق بعدها، وانتقلنا- بصحبة القوات- مع قوات الصاعقة والمشاه المخصصة للمداهمة

بصحبة وحوش الصاعقة| المهمة تبدأ بالقسم على «النصر أو الشهادة».. صعود جبل بأحمال 100 كجم على الظهر.. ثم اقتحام الوكر التكفيرى فى مشهد لا نراه إلا فى الأفلام، بدأ التجهيز للمداهمة، فارتدى الجنود والضباط زيهم العسكرى ومهامهم ومستلزمات الإعاشة التى تشمل التموين «وهو عبارة عن زجاجة مياه وعلبتى فول وعدس وبيف تكفى لثلاثة أيام متتالية»، والمنامة «كيس قماشى للنوم»، بالإضافة إلى السلاح والذخيرة والخوذة والسترة الواقية من الرصاص. كان التجمع فى دائرة واحدة يتوسطها ضابط صاعقة برتبة مقدم، يشد على أزر الجنود بكلمات حماسية ويدعوهم إلى الشهادة أو العودة بشرف بعد تنفيذ المهمة بنجاح، كاشفًا عن طبيعة العملية بأنها ستكون دعمًا للقوات المتمركزة على الجبل منذ ٢٦ يومًا

دقيقة واحدة وتجمعت كل أيادى المقاتلين ممن سيشاركون فى العملية بشكل رأسى، وبدأوا فى وضع المصحف الشريف وشرعوا فى قراءة الفاتحة وبعض الآيات القرآنية، ودوت الهتافات: «توكلنا على الله.. تمام.. تمام.. تمام

تحركنا من الكتيبة بعد التنبيه علينا باتخاذ كل سُبل الأمن والحماية والحذر فى تحركاتنا، خوفًا على سلامتنا كإعلاميين. توزعنا على ٤ سيارات عسكرية، ثم اتجهنا ناحية الجبل على شكل رتل أمنى، فى بدايته ونهايته سيارتا تأمين على أعلى مستوى

كان مشهد الجبل مرعبًا للغاية ومخيفًا، يقف صامتًا كأنه وحش يستعد لأن يلتهم مَن سيقترب منه، وبعد أن وصلنا نزلنا واصطففنا، وجرى تقسيمنا إلى مجموعات، كل واحدة منها على رأسها ضابط برتبة مقدم، وتضم من بعده ضابطين أحدهما نقيب والآخر ملازم أول، ومجموعة من الجنود المقاتلين. المشهد الواضح لى فى البداية كان أننا لن نقترب من الجبل الشاسع الطول، لكن قائد المجموعة أصدر أوامره بأننا سنتخذ مسارات دائرية حول الجبل كى نستطيع تسلقه، نظرًا لانحداره الشديد، ولأنه مقسم لـثلاث كتل صخرية. تقدمنا مجموعة من البدو الدارسين لطبيعة تلك الجبال، والذين يقطنون قرى منطقة وسط سيناء، ودلنا أحدهم على «مخر سيل» صنعته الطبيعة بالأمطار، فأصبح يصلح للمرور

بعد ذلك كانت المهمة الأصعب، إذ حمل كل مقاتل على ظهره نحو ١٠٠ كيلوجرام، وبالتدريب وهمة القائد والمقاتلين تم صعود أول جزأ من الجبل، الذى ظهر أمامنا بشكل مختلف تمامًا عما رأيناه على الخرائط والمسح الجغرافى قبل الانطلاق

التقينا قائد المجموعات المتمركزة على الجبل، والذى كان أيضًا برتبة مقدم بسلاح المظلات، وبدأ يسرد لنا تفاصيل الـ٢٦ يومًا التى قضاها فى قلب المكان لتمشيطه وتطهيره من العناصر التكفيرية، واختيار مكان مناسب ليكون نقطة الاتصال والتمركز

قال مقدم سلاح المظلات إن استراتيجية مهمته بدأت من سلاح المهندسين الذى أبطل مفعول ٢٠٠ عبوة ناسفة ولغم فى يوم واحد فقط، كانت مجهزة للانفجار فى القوات بطريقة جديدة ابتدعها الإرهابيون عن طريق لغم «سلك سنارة»، والذى لا يستطيع أى أحد تمييزه عن الأرض نظرًا إلى شفافيته وسمكه الرفيع جدًا

وأشار إلى أن التكفيريين استحدثوا تلك النوعية من المتفجرات بعد قطع الاتصالات عبر سلاح الحرب الإلكترونية، وفشلوا فى استخدام التفجير عن بُعد فى سيناء مؤخرًا

هنا تدخل أحد عناصر المهندسين موضحًا أن العبوات الناسفة فى المنطقة تنقسم لـثلاثة أنواع هى: «الماسورة»، عبارة عن ماسورة بلاستيكية يوجد بداخلها أسلاك إذا خطت عليها أى مركبة أو مدرعة تنفجر، والثانية تكون موجهة عن بُعد عبر جهاز "موتورولا" والأخيرة «السنارة

يستكمل القائد حديثه بأنه بعد تطهير الألغام تحرك مع مجموعته التى قسمت الجبل إلى أجزاء، وكل جزء لعدة مناطق، لتفتيش كل شبر

حل المساء، وانسحبت الشمس من السماء، عسكرنا فى الجزء الجنوبى من الجبل، وجاءت تعليمات القائد بأن ننام داخل «المنامة» بشكل شبه دائرى، مع توزيع الأدوار: «ثلثان للمراقبة، وثلث ينام»، وبعد ساعتين يتم التبديل

اللافت إلى الانتباه كما رصدنا ووثقنا أنه لا فرق بين ضابط وجندى، فالكل -مع الاحترام المتبادل بينهم وحفظ الرتب- سواسية فى توزيع الأدوار وساعات النوم والتأمين، فالمجند ينام فيما يقوم القائد بحراسته والعكس، الجميع يأكل من طبق واحد ويقتسم رغيف الخبز الواحد

وقبل دقائق من النوم أتت التعليمات بأنه ممنوع منعًا باتًا استخدام الموبايل أو تدخين السجائر، وبسؤالنا عن السبب كان الرد بأن «لهب السجائر» فى ظل هذا السكون والظلام يكون بمثابة إنارة ودليل للتكفيريين لمعرفة أماكننا واكتشافنا ومن ثم يقومون بمحاصرتنا، وكذلك الهاتف المحمول على الرغم من انقطاع الشبكات، فممنوع إظهاره فى العراء بحالة مضيئة كى لا يكتشف الأعداء نقطة وجودنا

سألت أحد الضباط وكان متزوجًا ولديه من الأبناء اثنان لم تتخط أعمارهما السنوات العشر، لم يحصل على إجازة منذ ٥٢ يومًا متتالية قبل بدء العملية الشاملة .. ولادك مش بيوحشوك؟ ما نفسكش تشوفهم؟

سرح فى السكون لدقيقتين، وأخرج هاتفه داخل «المنامة» حتى لا يراه أحد ويمنع الضوء من النفاذ الخارج، وأشار لى بأصابعه نحو طفلين، ثم ابتسم قائلًا إن الأول عمره ١٠ سنوات، يحلم بأن يكون لاعب كرة مشهورًا «زى محمد صلاح» والتانى ٧ سنوات «عاوز يبقى ظابط زيى

وعندما سألته عن رأيه فى العملية الشاملة، رد بأن هذه المرة غير كل مرة: «إحنا اللى بندخل للتكفيريين ونقتحم عليهم أوكارهم وما بنتراجعش، بنكمل كل خطوة وبتكون مدروسة ومحسوبة، وبنترك نقطة تمركز آمنة

بدأت مجموعة الصاعقة ومعها كل من المشاة والمهندسين العسكريين -ونحن نرافقهم- فى تنفيذ خطة الاشتباك والتعامل مع أحد الأوكار، بعد أن اجتمعوا من جديد بشكل شبه دائرى وتوسطهم القائد ومعهم عنصر الاستطلاع وبحوزتهم خريطة لتحديد المكان واستخدام نظارة مراقبة

أصدر القائد أوامره بالاقتحام والمداهمة والتعامل، وداخل بطن الجبل، وبمجرد مداهمته جرى تفتيش وتمشيط الكهف؛ عثروا على كميات هائلة من مادتى «السى فور» والتي ان تي، ومخزن كامل به نحو ٥٠ طنًا من القمح، وماكينة طحين متوسطة للإعاشة، ومواد تموينية من سكر وأرز وزيت وماعز تكفيهم لعدة أشهر، بالإضافة إلى ترسانة من الأسلحة

وعلى الفور أخذت القوات تدمر كل المضبوطات، والتى كان من بينها أيضًا كتب تكفيرية

لن نعود حتى تكون سيناء آمنة كالقاهرة.. بهذه العبارة لخص الأبطال من جنود وضباط القوات المسلحة موقفهم تجاه العمليات الدائرة فى شبه جزيرة سيناء، ساردين عددًا من البطولات التى تجرى بشكل يومى فى ميدان المعركة، تستحق أن تخلد فى الصفحات المجيدة من تاريخ مصر. «الدستور» تجولت بين صفوف المجندين الجدد، الذين انضموا حديثا إلى القوات العاملة فى الجيش المصرى، ونظرائهم من الذين انتهت مدة خدمتهم الرسمية وينتظرون الإحالة إلى قوات الاحتياط، ورصدت تفاصيل الحياة اليومية للضباط والمجندين وسط ميدان القتال، وبعض حكايات الأبطال المرابطين على خط النار

فى بداية جولتنا، التقينا مجموعة من المجندين الذين وصلوا مؤخرا إلى أرض كتيبتهم فى سيناء، ونظرا لطبيعة المعارك التى تخوضها القوات المسلحة المصرية، والأخطار التى يواجهها الضباط والجنود، فى حربهم الدائرة مع التكفيريين، سألناهم عن مدة التدريب التى حصلوا عليها قبل توجههم لميدان المعركة

الجنود المستجدون أكدوا لنا أن عقيدة القوات المسلحة، وتعليمات القيادة، لا تسمح بإشراك أى مقاتل فى ميدان معركة إلى بعد تلقيه تدريبا مكثفا للغاية، يجعله أكثر حرفية وجاهزية فى التعامل مع المواقف المختلفة

وأوضح لنا بعض الجنود أنهم حصلوا على تدريبهم التقليدى فى مركز التدريب لمدة ٤٥ يوما، وتلاه دورة مكثفة، لمدة ٣ أشهر، تلقوا فيها تدريبا متقدما عن القتال والتلاحم والمداهمات، مع التدريب العملى على الرماية وتجاوز الموانع، واستخدام كل أنواع الأسلحة

كما كشف آخرون أنهم تدربوا على إفساد العبوات الناسفة، والتعامل مع السيارات المفخخة، قبل توجههم إلى سيناء، موضحين أن تدريبهم لا يزال مستمرا، حتى بعد وصولهم أرض كتيبتهم كقوة أساسية، وأنه يجرى حاليا تجهيزهم للتعامل مع أرض المعركة نفسها بشكل عملى

وشرح لنا قادة الكتيبة أن الجنود لا يمكن دفعهم لأرض المعركة، أو نقلهم إلى الأكمنة ومناطق التأمين، قبل دراسة كافية لطبيعة المنطقة بشكل عملى، والتدرب على التعامل مع جبالها ورمالها

كما شرحوا لنا أن العقيدة القتالية للجيش المصرى تقتضى أولا تأهيل الجنود نفسيا، وتوعيتهم بطبيعة مهمتهم، ونوعية عدوهم، عبر لقاءات مع شيوخ من الأزهر، تشرح لهم فضل الشهادة فى سبيل الله والوطن، وآلية تفكير التكفيريين، وأسباب قتالهم لنا

وبالإضافة إلى جلسات التأهيل الدينى والتوعوى، تعقد الكتائب لجنودها جلسات مع مختصين فى علوم النفس، لتأهيلهم نفسيا لمواجهة العدو، وخوض المعارك، مع استبعاد غير المؤهلين من مناطق الاشتباك والتأمين والمداهمات

وأوضح لنا القادة أن الجنود الجدد المؤهلين يجرى توزيعهم على الكمائن، الواقعة فى نطاق عمليات الجيش الثالث، فى وسط سيناء، ويتم الاعتماد عليهم كقوة احتياط، يجرى الدفع بها باعتبارها قوات دعم، مع اختيار المجموعات التى تتسم بمواصفات معينة، للانخراط ضمن مجموعات القوات الخاصة

وإذا كان للمستجدين نصيب من الشجاعة والبطولة كما بدا أمامنا حين التقيناهم على أرض سيناء، فإن مفاجأتنا كانت فى رفاقهم الذين انتهت بالفعل مدة تجنيدهم فى القوات المسلحة، بعدما أخبرنا القادة أن كثيرين منهم طلبوا مد خدمتهم لحين انتهاء المعارك على أرض سيناء

وقصّ علينا أحد رجال قوات الصاعقة المصرية حكاية زميل له يتناقلها الجنود فى كل مكان، بعدما انتهت مدة خدمته فى بداية مارس ٢٠١٨، وتزامن ذلك مع استمرار العمليات، طلب تمديد مدته، حتى انتهاء العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨

وعندما جلس المجند - أو «الرديف» كما يطلقون فى الجيش على من انتهت مدة تجنيدهم- مع مجموعة من زملائه، وسأله أحدهم: «إمتى هاتخرج من الخدمة؟»، أجابه: «اصبر.. يمكن ننال الشهادة

وفى اليوم التالى، خرجت المجموعة فى واحدة من عمليات المداهمة، ليستشهد زميلهم «الرديف»، طالب الشهادة، إثر انفجار عبوة ناسفة

كما روى لنا بعض المجندين حكاية زميل لهم، أصبح حديث الجيش الثالث بأكمله لأنها تدل على التضحية والنضال، الذى استشهد خلال المداهمات فى أحد الكهوف الجبلية، والذى اضطر فيه للتعامل مع التكفيرى وجهًا لوجه بعدما نفدت ذخيرته

وعن حياته الشخصية، كشف لنا ضابط الصاعقة أنه موعد زفافه على خطيبته سيحين بعد شهرين من الآن، معربًا عن رغبته فى نيل الشهادة مثل زملائه، الذين سبقوه إليها، مشيرا إلى أنه لم يحصل على إجازة منذ شهرين تقريبًا، حتى إنه بدأ يعتاد على الحياة فى الجبل، مؤكدًا أن بقاءه فى سيناء هو أقل ثمن يفتدى به أسرته وشعبه

أما عن المواقف الانسانية التى مرت على المقاتلين خلال العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨، فقال أحد الضباط إن زوجته أخبرته منذ تزوجا بأنها تحتسبه شهيدًا عند الله، وأنها حملته أمانة ألا يعود من سيناء إلا بعد تطهيرها من كل الإرهابيين، وأنه ملتزم بهذا الوعد، خاصة أنه يؤمن بأن لكل أجل كتاب

إلى جانب الممرضين ورجال الإسعاف، التقينا مجموعة من الجنود الجدد الذين بدأوا فى التدريب على أجهزة الكشف عن المتفجرات، على يد زملائهم من المجندين القدامى

وقال المجندون إنهم يسمعون قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية عن الحرب على الإرهاب، لكنهم لم يصدقوا كغيرهم من المدنيين، وعندما رأوا بأعينهم حجم العمليات التى تحدث آمنوا بكل كلمة تقال، وأصبحوا يقنعون زملاءهم المدنيين بما يفعلونه ويقدمونه من شهداء ليفدوا بلادهم

وتتنوع الأدوات التى يستخدمها المجندون فى الكشف عن الألغام، فتتم بأكثر من طريقة، أولاها عبر سيارة الكشف عن الألغام، وقطع الاتصالات، ثم أجهزة الفليستر الألمانى، وتشبه العصا التى تنتهى بطبق كبير يصدر ضوءًا وصوتًا كالصفير بمجرد الاقتراب أو العثور على أى جسم معدنى، لكى يتم التعامل معه بتفجيره أو إبطال مفعوله

وقال أحد مجندى سلاح المهندسين، الذى شارك فى العديد من المداهمات، إنه لن ينسى مشهد إصابته خلف أذنه بعد انفجار عبوة ناسفة، خلال عملية المسح فى أحد الأكمنة، لافتًا إلى أنه أُصيب وتم نقله لأحد مستشفيات السويس ثم مستشفى المعادى العسكرى، وبعد إتمام علاجه وطمأنة أهله طلب العودة للكتيبة مرة أخرى ومزاولة عمله وخدمته من جديد... أحد المجندين بسلاح المهندسين، وهو الأشهر بين رفاقه فى الكتيبة، قال لـ«الدستور» إنه اكتشف خلال عمليات المداهمة حتى الآن ومنذ بدء خدمته ٧٥ عبوة ناسفة ولغمًا، وطلب من القائد عدم النزول فى أى إجازة قبل أن يتمكن من العثور على ١٠٠ عبوة متفجرة، وإبطال مفعولها، وذلك منذ ٣ أشهر كاملة.

فى الحرب لكل فرد وظيفته، والجميع جنود فى المعركة القائمة ضد الإرهاب، من العسكريين وصولًا إلى المدنيين، الذين لهم نصيب كبير فى تلك المعركة، وعلى رأسهم رجال الإسعاف، ممن يخاطرون بحياتهم لإنقاذ المصابين

حسام محمد، سائق سيارة إسعاف بوسط سيناء، يعمل هناك منذ ١١ سنة رغم العمليات الإرهابية والعسكرية، ولم يطلب فى مرة واحدة الانتقال من هناك، على الرغم من إصابته أكثر من مرة، واستهدافه من قبل التكفيريين الذين حاولوا خطف سيارة الإسعاف الخاصة به، لكنه لن يتركها، حتى وإن استُشهد فيها، حسبما يقول

حسام» تم تكريمه فى القاهرة من قبل الدكتور أحمد الأنصارى، رئيس هيئة الإسعاف، بعد إصابته بطلق نارى فى ذراعه اليسرى خلال هجوم إرهابى لفردين تكفيريين حاولا استهدافه للاستيلاء على السيارة لاستخدامها فى علاج الإرهابيين المصابين، خاصة أنها تحتوى على كميات من الأدوية والمحاليل والمستلزمات الطبية وجهازى أكسجين وصدمات قلبية. وخيّره الدكتور الأنصارى للانتقال إلى مكان آخر غير سيناء بعد إصابته إلا أنه رفض، وطلب العودة لمقر عمله بجانب القوات المسلحة فى سيناء

محرر "الدستور" مع أحد المسعفين

أما محمود عبدالعزبز، الذى تم تعيينه فنى خدمات طبية عاجلة «تمريض» منذ ٤ سنوات بوسط سيناء، فقال إنه كوّن صداقات مع القبائل هنا، ويعتبرهم أهله، وأنه رغم كل ما يحدث فإنه فخور بما يفعله ويحفظه ليرويه لأبنائه فيما بعد ليفخروا به. وكشف عن أنهم لا يتعاملون مع الإصابات العسكرية فقط، بل يعملون على إنقاذ المدنيين من أهالى سيناء. وقال إن ما لفت انتباهه فى شهداء الجيش، أن معظمهم أثناء لحظات استشهادهم الأخيرة عندما يلقنهم الشهادة يستجيبون وينطقون الشهادة كاملة فى مشهد رهيب

Report Abuse

If you feel that this video content violates the Adobe Terms of Use, you may report this content by filling out this quick form.

To report a Copyright Violation, please follow Section 17 in the Terms of Use.