كتب: هايدي حمدي وكارلوس أنيس
في يونيو من العام الماضي، تجمع 15 مسلمًا أمام منزل تحت الإنشاء بقرية كوم اللوفي التابعة لمركز سمالوط بالمنيا، بغية إيقافه عن استخدام منزله ككنيسة بعد الانتهاء من تشييده، والذي كان عبارة عن أعمدة تحت الإنشاء بارتفاع الوجه 5 م، ومقام على قطعة أرض زراعية، وبناء على ذلك اشتعلت الاشتباكات بين المسلمين والأقباط في القرية، رغم نفي صاحبه المسيحي الديانة أيوب خلف
لم يمر سوى 10 أشهر على تلك الواقعة حتى اندلعت اشتباكات لفظية بين مسلمي وأقباط القرية، لنفس السبب وهو محاولة مسيحيين إقامة صلوات وطقوس كنسية، داخل منزل دون الحصول على تراخيص، وهنا كانت نقطة انطلاقة "الدستور" لفتح ملف كنائس البيوت التي لجأ إليها بعض الأقباط إما لبعُد المسافة أو هروبًا من التحكمات الأمنية بسبب شكاوى الأهالي
دلوقتي هما بيدوروا على أي مكان يصلوا فيه"، هكذا كانت بداية رواية صفوت سمعان مدير مركز وطن بلا حدود لشئون اللاجئين بالأقصر، فالأقباط في بعض قرى المحافظة مثل "البياضية"، يعانون من عدم تواجد كنيسة في قريتهم، فالوحيدة التي كانت بالقرية تم حرقها، إلى جانب وجود ما يقرب من 6 كنائس مغلقة من قِبل الأجهزة الأمنية
وبنبرة استنكار يتابع: "الأقباط يصلون كأنهم يتاجرون في المخدرات، وإذا عرفت أماكن تلك المنازل التي يلجأون إليها للصلاة فيها قد يتم تشميعها"، ضاربًا المثل بقرية الجرنة الجديدة التي وُجد بها مذبح متنقل تقام عليه القداسات في المنازل، إلا أنها توقفت منعًا للمشاكل
وانتهى حديثه معنا بقوله: "إذا كنت رجلاً مسؤولاً سأسمح للمسيحين بالصلاة وبناء الكنائس، فالكنيسة تجعل منهم خرافًا مطيعة"، على حد وصفه، معتبرًا أن التعسف ضد بناء الكنائس يخلق حالة من التمرد والعصيان وهي سمة الجيل الحالي
في تقرير نشرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تحت عنوان "مغلق لدواعٍ أمنية: التوترات والاعتداءات الطائفية بسبب بناء وترميم الكنائس"، في أكتوبر الماضي، لكاتبه إسحق إبراهيم، عن الاعتداءات ضد الكنائس بسبب ممارسة الشعائر الدينية في الفترة من 25 يناير 2011 إلى أغسطس 2016، رصدت 35% من إجمالي الاعتداءات بسبب منع بناء وترميم وتوسيع كنائس قائمة
وجاء منع الصلاة في كنيسة تحت الإنشاء بنسبة 16%، حسب تقرير المبادرة المصرية، وهذا ينقلنا إلى محافظة شمال سيناء، والتي يروي عنها بيشوي القس، أحد قاطنيها، أن الصلوات في مركز "بئرالعبد" كانت تتم في المنزل، إلا أن صاحب المنزل الذي يتم فيه الصلوات كان يُساق إلى أمن الدولة لتحذيره من إقامة الصلوات فيه، بناء على شكوى أحد السكان إلى مجلس المدينة بسبب قيام الصلوات في المنزل المجاور، فكان رده أنه يقوم بمهامه ككاهن يصلي فقط
ويتذكر مع محرر "الدستور" الأيام الأخيرة لوضع الأساسات التي ستُبنى عليها كنيسة بئر العبد، التي تمت بمعرفة أجهزة الأمن على أنه مبنى غير مرخص، إلا أنهم تعاونوا معنا لاستكمال وحماية عملية البناء وكاهنها القس المتوفي بيشوي عازر، والمسؤلين في المدينة "كانوا بيجوا يعيدوا علينا عادي في مقر الكنيسة دي
يذكر تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنه يتم استخدام المنازل والأملاك الخاصة للتغلب على صعوبة إصدار تصاريح بناء كنائس جديدة، كذلك هناك المباني الخدمية والدينية، التي يتم اللجوء إليها لسهولة الحصول على التراخيص نسبيًا وتوفير أماكن للصلوات بها
ويلخص البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، مشكلة بناء الكنائس في مقال كتبه مؤخرًا في مجلة الكرازة الناطقة باسم الكاتدرائية الأرثوذكسية الكبرى بالعباسية: "مع تزايد السكان الكبير، صار بناء الكنيسة أمرًا عسيرًا، يجد كل تعنت مع أكثر من مسئول بلا سبب، إلا تمييزًا وتضييقًا وتعصبًا، ولا يمر عام إلا ونسمع عن هذه الأحداث، وكأن التجمع والصلاة والعبادة للمسيحية صار مجرّمًا، ولا يستطيع مسيحي مصري مقابلة ربه للعبادة إلا بتصريح وقرار، وعليه الانتظار حتى يصدر، ووقعت حوادث في أماكن متفرقة سميت بالفتنة الطائفية وسببت صداعًا وألمًا وجراحًا في نفوس الأقباط، وإحساسهم بأنهم ليسوا على نفس مستوى المواطنة مع إخوتهم في الوطن
بدأ المستشار نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، والناشط القبطي، متحدثًا لـ"الدستور" عن تلك الانتقادات، قائلاً إن القانون به عدة مشكلات، خاصة المادة 8،9 منه، فالكنائس دور عبادة تمارس فيها طقوس دينية فما الحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء
وأشار "جبرائيل" إلى أن الصلاة لا يحتاج إلى إذن من جهة إدارية أو محافظ، فالمسلمين لا يحتاجون إلى إذن لافتراش السجاجيد في الشوارع والصلاة فيها، فإقامة شعائرنا في دور عبادة لا ضرر فيها، مرجعًا سبب الأزمة لوجود سلفيين متشددين أعلى سلطة من المحافظ ترى أن بنائها من الموبقات مثل تصريحات برهامي ومحمود عامر والدولة لا تتخذ إجراء ضدهم رغم أني تقدمت بـ 22 بلاغ فيما يخص هذا الأمر
وانتقل معنا للحديث كمال زاخر مؤسس التيار العلماني بالكنيسة، بقوله: لم يتم الإعلان عن أسباب مباشرة لتأخر استصدار تراخيص بعض الكنائس من قبل الكنيسة، فحتى تلك اللحظة لا علم لنا بعدد الكنائس التي تم قبول ترخيصها من التي تم رفضها، فحالة التعتيم في هذا الأمر هي الأساس
ونوه "زاخر" عن وجود جوانب سلبية أو حالات تحايل يمكن أن تحدث بسببه، مشيرًا إلى إرسال الاعتراضات إلى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان لكن لم تتم الاستجابة، وهذا الأمر سبب المعاناة، مرجحًا أن هذا الوضع سيستمر إلى قيام الساعة إذا استمر على هذا الشكل دون توافر الإدارة السياسية السليمة له
أما الجهات الأمنية فلا تنكر وجود تلك الأماكن غير المرخصة لإقامة الشعائر الدينية المسيحية، إلا أن الأمر يتم تحت أعينهم، وهو ما حدثنا عنه اللواء محمد نورالدين مساعد وزير الداخلية السابق، مؤكدًا أن تكرار المشكلات الطائفية تقع أغلبها في محافظات الوجه القبلي بسبب الموروثات القديمة التي نشأوا عليها، معتبرًا تحول الأمر إلى الصلاة داخل مراكز اجتماعية أو البيوت لتأخر الترخيص كارثة لأنها تخلق مشكلات طائفية
وعن طريقة إثارة الطائفية في الصعيد، قال "نورالدين": "لو عيل خباص عرف بالصلاة دي بيروح يقول لأهله والدنيا بتتقلب، بالتالي سبب منع قوات الأمن ليها بتكون لأن وصلت معلومات لينا إن ممكن تقوم مشكلة طائفية فبنحاول نلحقها قبل ما تحصل
وحذر مساعد وزير الداخلية من انتشار الطائفية بسبب وجود بعض السلفيين والجهادين فيها، بالتالي علينا مواجهة هذا الفكر الوهابي الزاحف من بعض دول الخليج بعد عودة المصريين من المشتغلين فيها، وهو فكر متشدد ومتطرف
وحاولنا التواصل مع الأب ميخائيل أنطون، ممثل الكنيسة الأرثوذكسية في لجنة توفيق الأوضاع، إلا أنه رفض الحديث في الأمر، ورغم مواجهته بما تم التوصل إليه من وقائع ثابتة، لكنه نفى وجود صلوات بالمنازل، وبعد التواصل معه مرة أخرى من خلال الرسائل النصية لم يستجب لنا وامتنع عن الرد
في النهاية، يمكننا عزيزي القارئ أن نصل بك إلى أصل بناء الكنائس وعرقلتها، الذي يعود إلى العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية المصرية، والذي أصدر 10 شروط للبناء عام 1934، استخدمت بشكل تحكمي للتضييق على عملية بناء وتجديد الكنائس في مصر، ومن بين هذه الشروط، موقع الكنيسة من أقرب مسجد أو ضريح إسلامي، وهل هي وسط بيوت المسلمين أم لا؟ وهل المسلمون في موقع الكنيسة المقترح موافقون على بنائها؟ كما تتضمن الشروط عدد المسيحيين في المنطقة وموقعهم لأقرب كنيسة مجاورة
Credits:
Created with images by dimitrisvetsikas1969 - "sunset dusk evening"