عبير جمال
لم يكن هوس المصريات بالبحث عن كل مستحضرات التجميل التى تساعد على تفتيح البشرة من فراغ، ففي الوقت الذي تسعى فيه الأجنبيات إلى الوصول لبشرة خمرية وسمراء، تسير المصريات بل والعربيات فى الاتجاه المعاكس، فالبياض بالنسبة لهم هو مقياس من مقاييس الجمال، وكل ما كتبه الشعراء وغناه الفنانين عن السمراوات ما هو إلا محض كلام ليس له علاقة بالواقع
أنتِ سوداء.. ليست جملة للمدح والغزل ولكنها جملة لـ"التنمر" وتؤثر سلبًا على الحالة النفسية للفتاة، ولهذه الجملة ضحايا كثيرون وصل حال البعض منهن إلى أنهن فضلن الانتحار للهروب قلوب البشر السودا
ولعل إيمان صالح، الطالبة بأحد معاهد التمريض بالإسكندرية، نموذج مجسم لقسوة البشر، ضحية من ضحايا التنمر التي حركت المياه الراكدة فى الفترة الأخيرة، حيث أعلنت رفضها لهذا النوع القاسي من التنمر بالانسحاب النهائي من الحياة والانتحار
انتحرت "إيمان" صاحبة البشرة السمراء؛ هروبا مما اعتبره البعض "قبحًا"، رغم كونه أحد علامات الجمال. أحد مشرفات المعهد الذى كانت تدرس فيه قالت لها: "انتي سودا وشبه الولاد وشكلك وحش"، كما قالت والدتها، التى تذكرت الأيام الأخيرة لابنتها والتى تعرضت فيها لحالة نفسية سيئة وصلت إلى حد الاكتئاب
وفى مكالمة هاتفية أخيرة لها قبل انتحارها، قالت "إيمان" إنها ملَّت من كثرة انتقاد المشرفة لها ووصفها بصفات سيئة وأنها تشبه الأولاد، وأن شعرها سىء وهيئتها منفِّرة، حتى أنها كرهت الذهاب إلى المعهد فى الأيام الأخيرة لها
لم يمر يومان حتى انتشرت على السوشيال ميديا قصة الطفلة "بسملة" صاحبة البشرة السمراء، والتى دائمًا ما يقال لها إنها سوداء، حتى أن المعلم الفاضل الذى يدرس لغة عربية لم يجد إلا جملة واحدة ليطلب منها إعرابها "بسملة طالبة سمراء" فأعربتها بالبكاء وبالنحيب وبالأسى
بسملة قالت: صعب عليا نفسي أوي واتكسفت قدام أصحابي ولكن المدرس استمر فى تهديده لها قائلا: لو ماسكتيش هذنبك على السبورة
بسملة كانت أكثر حظا من إيمان، ربما لأنها وجدت دعمًا من أسرتها التى تقدمت ببلاغ ضد المدرس ولم تترك حقها، ووجدت أيضًا دعما إعلاميًا، خاصة أن قضيتها أثيرت مباشرة بعد حادث انتحار إيمان، لكن هناك الآلاف مثل بسملة وإيمان يتعرضن للتنمر بشكل يومى بسبب خلقتهن، سواء كان سمار البشرة أو قصر القامة أو السمنة أو النحافة أوالشامة أو أى شيء آخر قد يعتبره البعض عيبًا، أو حتى لو كان عيبًا خلقيًا، ولكنهن لا يجدن من ينصفهن ويقعن ضحايا للاكتئاب والمرض النفسي
بشرة "هدير" السمراء كانت سببًا للتنمر ضدها منذ طفولتها، وهو ما جعلها تفقد ثقتها بجمالها تماما، وتحكي "هدير" لـ"الدستور" أنها دائما ما تتعرض لمضايقات من عينة "ايه الليلة السودا دى" و"ايه شوال الفحم اللى عدى ده"، حتى أنها كانت تلجأ إلى استخدام البودرة والكريمات لتفتيح بشرتها، ولكن وخلال محاولتها للبعد عن مسببات التنمر ضدها، وجدت نفسها تتجه نحو تنمرٍ آخر مثل: ايه وش الابيض ده.. تقلى اللون شوية
هدير أكدت أنها أصبحت شخصية انطوائية إلى حد كبير، وتخاف من التفاعل مع المجتمع أو الدخول فى أى علاقات جديدة، ولكنها أدركت مؤخرًا أن كل من يفعل تلك التصرفات المشينة ماهو إلا مريض نفسي يعكس السواد الذى يوجد بداخله، وبعد فترة طويلة بدأت تتعامل مع ازدواجية المجتمع بشىء من المرونة، قائلة: هنعمل أيه نصيبنا نتولد ونعيش فى مجتمع مريض بيعمل عكس اللى بيقوله
النقاب كان الحل الوحيد أمام داليا محمود، التى كانت دائمًا ما يقول لها المحيطين بها: البسى النقاب ربنا هيبيض وشك شوية. وبعد ثلاثة أعوام من ارتدائها للنقاب لم يحدث أى جديد، وكان البعض يعايرها بنحافتها الشديدة أيضا حتى دخلت فى حالة نفسية سيئة جدًا واكتئاب حاد جعلها تتخذ قرارًا بخلع النقاب والحجاب أيضا
الضغط المجتمعى الذى تعرضت له داليا من أقاربها ومن أصدقائها جعلها تأخذ قرار بالهجرة من مصر نهائيا، خاصة وأنها انفصلت عن زوجها بعدما كان يعايرها هو الآخر بسمارها ونحافتها وكان يسمح لأهله بالتنمر عليها هى وابنتها التى تشبهها إلى حدٍ كبير حتى فى درجة السمار
تقول "داليا" لـ" الدستور" إنها وجدت فرصة لإكمال تعليمها فى إحدى الدول الأجنبية، فلم تتردد فى الحصول عليها وبالفعل سافرت، وهناك وجدت الحياة مختلفة تمامًا، وكان الجميع ينظر إليها على أنها النموذج المثالى للجمال المصرى الفرعونى بسماره وسواد شعره، حتى أنها تلقت عروضًا للعمل كموديل، وبالفعل شاركت فى حملات إعلانية ضخمة وتحسن المستوى الاجتماعى لها وبالطبع تغيرت الحالة النفسية السيئة التى كانت تعانى منها