Loading

وجع وغربة كيف أطاح برنامج الهجرة العشوائية الأمريكي بأحلام الشباب؟

إسلام الشرنوبي- إعداد: إسلام الشرنوبي

هل ترغب في السفر إلى بلاد الأحلام؟.. كلمات أغرت "محمود" البالغ من العمر الـ 23 عامًا، بعدما أنهى دراسته في كلية التجارة، كأي شاب وجد أحاديث كثيرة تدور حول الهجرة إلى أمريكا، بدون تكاليف مادية، مجرد قرعة تُجرى بين عدد من شباب البلدان النامية، والفائزون منهم يكون لهم تأشيرة إقامة دائمة في بلاد الأحلام، وسرعان ما سجل وسافر مع الفائزين إلى الولايات المتحدة

عامان ونصف العام، قضاها "محمود" في بلاد الغربة، اضطر فيهم إلى العمل بأكثر من وظيفة، بداية من عامل في محطات المترو، مرورًا بالمطاعم، نهاية بالخدمة في البيوت، لم يجنِ منهم أي أموال سوى تلك التي تقضي حاجاته اليومية من مأكل ومكان للنوم. يقول: "لم استطع جني أي أموال، الليالي كانت غربة وتشريد، والأزمة في أن القرعة توفر إقامة فقط بلا فرصة عمل"

"محمود" كانت هجرته عشوائية إلى أمريكا، ضمن 3 آلاف و400 مصري آخرين، سافروا إلى هناك خلال عام 2016، تبعًا لبرنامج يتيحه الكونجرس الأمريكي لشباب البلدان النامية، للسفر إلى هناك، توفر لهم فيه إقامة بلا فرص عمل ثابتة. الأمر أدى إلى تشريد وضياع كثير من الشباب، أفرد لهم "الدستور" التحقيق التالي لحكايات الوجع في بلاد الغربة

القاسم المشترك بين كل التجارب التي تعرضت لها "الدستور"، هو أن الواقع أصعب من الصورة التي يرسمها الجميع للجمهورية الأمريكية، فالتحديات كانت أكبر من الفرص المتاحة، ما دفع المعظم إلى العودة لمصر مجددًا بعد السفر عن طريق تلك الهجرة العشوائية التي لا توفر فرص عمل مضمونة، ويُفتح باب التقديم إليها في مطلع أكتوبر من كل عام

"محمود" عامان ونصف من الغربة والنتيجة "صفر"

أكتوبر 2013، وزارة الخارجية الأمريكية تفتح أبواب التقديم إلى الهجرة العشوائية، شاهد محمود أحاديث تدور حول تلك الهجرة على صفحة "برنامج الهجرة العشوائية إلى أمريكا" بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، والتي حوت التفاصيل والشروط ورابط التقديم

"لم يكلفني الأمر شيء"، محمود يبرر تقديم أوراق إلى تلك الهجرة لكونها رسمية ومضمونة، إلى جانب انطباق الشروط المرفقة بها عليه، فضلًا عن عدم وجود أي رسوم مادية، الثغرة الوحيدة التي كانت بها هي عدم توفير أي فرص عمل، ولا بد أن يقوم المتقدم بتوفير وظيفة له في الخارج قبل السفر

يقول الشاب: "مكنش عندي أي طريقة أظبط بيها شغل هناك قبل ما أسافر، افتكرت الموضوع سهل زي أي شاب بيسافر، لكن الموضوع طلع صعب، والبرنامج مش بيوفر أي حاجة غير السفر"

وأوضح أنه عمل في أكثر من مكان أقل من مؤهلاته بالمطاعم والكافيهات وأحيانًا بالحانات، ولم يستطيع في تلك الفترة جني الأموال، فقد كان العائد المادي من تلك الوظائف ضعيف للغاية: "ملحقتش أحوش حاجة، طالما مفيش وظيفة ثابتة هتلاقي الفلوس بتتسرسب منك، فيه أوقات كنت بقعد بالشهور مش لاقي شغل، بصرف بس من غير تحويش، غير الضرائب التى تحاصر المواطنين فى أمريكا"

وفي تلك الفترات الصعبة كان يعتمد "محمود" على ذويه في القاهرة، بإرسالهم له بعض الأموال التي تساعده على العيش والاستمرار: "مقدرتش أكمل للأسف العمر بيجري والدنيا مش واضحة، مجرد ما بتسافر مفيش حد بيكون مسؤول عليك ولا شغل ولا عائد مادي ثابت، الفرق بينها وبين الهجرة غير الشرعية هي الأوراق الرسمية فقط والدخول الآمن"

ما هي الهجرة العشوائية إلى أمريكا؟

بحسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية (النسخة باللغة العربية)، فإن الهجرة العشوائية إلى أمريكا أو ما يعرف باسم "اللوتري الأمريكي"، هو برنامج تديره وزارة الخارجية الأمريكية بتفويض من الكونجرس منذ عام 1995

تقدم الحكومة ذلك البرنامج المجاني دون أي رسوم للاشتراك، كل ما تطلبه من المتقدمين هو تعبئة وإرسال النموذج الالكتروني الموجود على موقع الوزارة، ويهدف البرنامج في الأساس إلى دعم تنوع المهاجرين إلى أمريكا

الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية - النسخة باللغة العربية

ويتم ذلك باستهداف الدول ذات معدل الهجرة المنخفض إلى واشنطن خلال الخمس سنوات الأخيرة، ومنح الفائزين في برنامج الهجرة العشوائية إليها رخصة الإقامة الدائمة والمعروفة باسم البطاقة الخضراء بعد قضاء مدة محددة على أرضها

ويكون التقديم سنويًا من خلال الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية المخصص للبطاقة الخضراء (دائرة الهجرة الأمريكية)، ويُفتح الباب في شهر أكتوبر من كل عام، ويستمر لمدة شهر كامل، حتى ينتهي التقديم في نوفمبر، وتستقبل الطلبات عن طريق الموقع

كما تعلن النتيجة على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية (مكتب الشؤون القنصلية) من خلال رقم التأكيد الذي يحصل عليه المتقدم أثناء عملية التقديم وبمجرد إدخاله يعرف إذا تم قبله أو رفضه في الهجرة

الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية - النسخة باللغة العربية

ويهدف برنامج الهجرة العشوائية، إلى منح تأشيرات بناء على التعددية، وتحكمه الشروط الواردة في الجزء رقم 203 (ج) من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، إذ أوجد القانون فئة جديدة من المهاجرين تعرف باسم "فئة الحاصلين على تأشيرة للهجرة بناء على مفهوم التعددية"

ويتيح هذا القانون صدور 50 ألف تأشيرة كل عام للإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية تمنح للأشخاص المنتمين لبلدان يكون عدد المهاجرين منها إلى الولايات المتحدة منخفض

عبدالرحمن: "عدم توفير فرص عمل ثغرة في الهجرة العشوائية"

عبدالرحمن، شاب تخرج من معهد حاسبات ومعلومات، ظل نحو ثلاثة سنوات يبحث وظيفة بلا جدوى، تكالبت عليه المشاكل من كل صوب وحدب بعدما قرر والده أنه لن يعطيه أي أموال. يقول: "بعد ثلاث سنين من التخرج أبويا رفض أنه يصرف عليا تاني، لأني كبرت ولازم أشيل مسؤولية نفسي، ومن هنا جاتلي فكرة السفر"

في أكتوبر من عام 2015، فتحت وزارة الخارجية الأمريكية باب التقديم إلى الهجرة العشوائية كالعادة، بلا شروط مادية، موفرة للفائزين بها إقامة فقط بدون عمل، وعلى المتقدم توفير ذلك بنفسه قبل السفر

ولم يهتم حينها "عبدالرحمن" بأمر العمل، متوقعًا أنه يمكن تدبيره بمجرد السفر إلى الخارج، يقول: "افتكرت أن سهل ألاقي شغل بره بمجرد ما أسافر، رغم أن فكرة السفر كانت بعيدة، لكن التسهيلات اللي قدمتها الهجرة العشوائية مغرية، ما عدا بند عدم توفير فرصة عمل"

سافر "عبدالرحمن" بالفعل، بعدما استوفى أوراقه والشروط الخاصة بالهجرة العشوائية، ظل يبحث أيام وشهور على عمل في أمريكا بلا جدوى، يضيف: "اشتغلت صبي في فرن، وشيال طوب وحجارة، غير أن أي حد على أرض أمريكا بيدفع نص مرتبه ضرائب ومفيش تأمين لا صحي ولا تعليمي ده مجرد كلام"

"مقدرتش أحوش"، يقولها عبدالرحمن عقب 9 أشهر قضاها في تلك الهجرة بلا وظيفة ثابتة: "كل يوم تزيد الطلبات والاحتياجات، في نفس الوقت الفلوس مش مكفية حاجة، لاقيت نفسي بستلف والديون بتزيد عليا فاضطريت أرجع تاني مصر صفر اليدين"

شروط الهجرة العشوائية

بحسب موقع الخارجية الأمريكية، فهناك عدة شروط تحكم الفائزين بتلك المنحة، منها: "أن يكون عمر المتقدم 17 أو 18سنة، أن يكون حاصل على مؤهل متوسط، يكون لدية أعفاء أو تأجيل أو تأدية الخدمة العسكرية فى بلدة"

وتحذر كل عام السفارة الأمريكية عند فتح باب التقديم، بأنه لا يتم توفير أي فرص عمل من خلال الحكومة في أمريكا، وعلى من يفوز فى الهجرة أن يدبر أموره بنفسه قبل السفر هناك؛ وإنما يهدف البرنامج فقط إلى جذب 50 ألف مهاجر سنويًا من جميع البلدان عن طريق القرعة من البلدان النامية تحديدًا كنوع من المساعدة

استمارة التقديم

وتعتمد الهجرة العشوائية على الحظ فقط، فهي تشبه القرعة، ولا توفر الحكومة الأمريكية سوى الفيزا، ويكون التقديم مجاني ولكن في حالة الفوز فسوف يدفع الفائز بالقرعة رسوم المقابلة والتأشيرة في السفارة

مصطفى: "عملت ماسح أحذية ورجعت مصر مفلس"

لم تختلف حكاية "مصطفى" عنهما كثيرًا، فقد دفعه الفقر وتحمله مسؤولية أمه وشقيقاته بعد وفاه والده، إلى السعي وراء عمل يدر عليه أموال كثيرة تكفيهم، بعدما تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة

وقضى "مصطفى" عامه الأول يبحث عن عمل في مصر، وكانت معظم الوظائف لا تدر عليه دخلًا كبيرًا، يقول: "الفلوس كانت يدوب بتقضي الاحتياجات الأساسية، فمكنش قدامي حاجة غير إني أسافر وابعتلهم فلوس من بره"

صديق "مصطفى" هو من وفر له تلك الفرصة وأقنعه بالتقديم فيها، وبالفعل كان ضمن الفائزين بالهجرة العشوائية إلى أمريكا. سافر الشاب وليس لديه فرصة عمل جادة يستند إليها

وجد وظيفة جيدة بالفعل، وراتب كبير، وتم قبوله فيها ومر الشهر الأول بسلام، لكنه لم يحصل على راتبه في آخره، وتحجج صاحب الشركة التي عمل بقسم الحسابات فيها بالظروف المادية والأزمة التي يمر بها

ثلاثة أشهر يعمل فيهما مصطفى بلا راتب، حتى ذهب في يوم فوجد أبواب الشركة مغلقة، وأخبره الأمن أنه مكان تم تأجيره لفترة ما من صاحبه وجاء اليوم وأعطاه المفتاح وأخبره أنه مسافر إلى بلد أخرى

استمارة التقديم

يقول: "عرفت وقتها أنها عملية نصب منه، صاحب شركة جاب كذا محاسب وأجر الشركة دي عشان يعملوله حسابات السنة وبعدين يمشيهم من غير فلوس. ثلاثة أشهر لم يرسل خلالهم الشاب أي أموال إلى أسرته على أمل أن يحصل عليهم في يوم ما"

يضيف: "وقتها معرفتش أعمل أية أهلي كل يوم كنت أصبرهم أن الفلوس هتيجي، وفي الآخر مجتش، اضطريت أدور على شغل حتى اشتغلت ماسح أحذية، وكنت في سباق مع الوقت، بيمر من غير فلوس وأهلى محتاجين فلوس ضروري في مصر لحد ما رجعت تاني من غير أي فايدة"

أرقام عن الهجرة العشوائية إلى أمريكا

لازالت أمريكا رغم تلك المعاناة التي يلاقها الشباب في الهجرة إليها بمثابة أرض الأحلام، فالأرقام تدل على رغبة الكثير من المصريين في السفر إليها عبر تلك الهجرة العشوائية التي يتم توفيرها كل عام

سنويًا، يتقدم من مصر ما لا يقل عن 800 ألف شخص إلى تلك الهجرة العشوائية، ما جعلها تحتل المرتبة الثانية عالميًا في عدد المتقدمين بعد دولة الكاميرون، وذلك وفقا لما أعلنته القنصل العام للسفارة الأمريكية بالقاهرة، ليزا فيكرز

تصنيف المصريين الموجودين في أمريكا

نحو 3.5 مليون عربي موجود في واشنطن، بحسب إحصائيات المعهد العربي الأمريكي، حصل 80% منهم على الجنسية الأمريكية، ويحمل 45% منهم شهادات جامعية، فيما يعمل 88% في القطاع الخاص، ويشغل 12% من العرب الأمريكيين وظائف حكومية

وأكد المعهد في نفس الإحصاء، أن 70% ممن يسافرون إلى أمريكا بنظام القرعة يعملون كسائقين على سيارات ليموزين أو عربات نقل، أو في المطاعم أو في وظائف أخرى بسيطة

أهداف أخرى

بعض الخبراء يرون أن الهدف من تلك الهجرة ليس توفير فرص عمل، أو احتضان الشباب من البلدان النامية التي ترتفع بها نسب البطالة، إنما هدفها خلق قوى ناعمة لدى دول العالم بحسب تصريحات سابقة للدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

وأكد عامر أن الهدف الحقيقي من جميع البرامج التي تضعها أمريكا لسفر الشباب منها وإليها، هو تأثيرهم بالفكر الأمريكي، ويعودون إلى بلادهم حاملون له، مبينًا أنها عملية استغلال للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها بلاد الشرق الأوسط، والدليل على ذلك أن البرنامج لا يوفر فرص عمل، بل أن معدلات البطالة الأمريكية تزيد يوم تلو الآخر

Credits:

Created with images by Nils Nedel - "Morning Flight" • Dimi Katsavaris - "Sunrise Hike" • rawpixel - "untitled image" • Joël Assuied - "Evening at the seaside" • Joshua Earle - "Solitude over the lake" • Saúl Venegas - "Black crow flying" • Martino Pietropoli - "Fences" • Kyle Glenn - "untitled image" • Deniz Altindas - "untitled image" • rawpixel - "untitled image" • Noah Buscher - "Distant Gaze" • Eva Darron - "Sunset seen from a plane" • Robert Hickerson - "untitled image" • Heidi Sandstrom. - "untitled image" • yns plt - "kar kızı" • Gary Bendig - "Geese Leaving"

Report Abuse

If you feel that this video content violates the Adobe Terms of Use, you may report this content by filling out this quick form.

To report a Copyright Violation, please follow Section 17 in the Terms of Use.